كل منا يعلم ان النفس لها ثلاث انواع و هنا ماهية كل نفس من الانفس الثلاثة فلتحدد اخي و اختي ما نوع نفسك فان كانت آمارة بالسوء فحاول مجاهدتها واصلاحها لتصبح نفس لوامة و ان كانت كذالك فخير هي لان الله اقسم بها و مع ذالك حاول متابعة اصلاحها لتصل الى النفس المطمئنة و هذا هو المراد لان هذه النفس تعيشك في جنة في الدنيا وتاخد الى جنة الخلد جنة الاخرة ..فلنتعرف جميعا على مميزات كل نفس على حدا :
النوع الأول:-
النفس الأمارة بالسوء:،وكلام العلماء عن النفس الأمارة بالسوء مؤلم للغاية،فهذه النفس هي مأوى الشر في الجسد،وهي مستقر الشر، مستقر القبائح والرذائل.والله تعالى يصف نفساً تتكلم {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي}
النوع الثاني:-
النفس اللوامة: وهي النفس التي تكثر من اللوم لصاحبها، معنى ذلك أن صاحب هذه النفس يقع في الرذائل فتوبخه هذه النفس، وتندم وتستشعر الندم والتقصير في حق الله، يقول عنها الله سبحانه وتعالى(لا اقسم بيوم القيامة {1} ولا اقسم بالنفس اللوامة )ونجد أمرا يدعو إلى التأمل، فهذه الآية هي في سورة القيامة، وكأن الله تعالى حين يحدثنا عن القيامة يربط بين اللوامة وبين يوم القيامة، فكل سورة القيامة من مطلعها إلى منتهاها تتحدث عن يوم القيامة، وفي الوقت نفسه تزلزل النفس من الداخل ، وتأمل قوله (لا اقسم بيوم القيامة {1}ولا اقسم بالنفس اللوامة {2} أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه)وتتابع الآيات وهي تتحدث عن يوم القيامة (فإذا برق البصر{7}وخسف القمر{8} وجمع الشمس والقمر)إلى قوله(أيحسب الإنسان أن يترك سدى )…وطوال السورة يبقى الحديث عن القيامة والنفس اللوامة ولذا تجد كثيراً من الناس يتأثرون بها ويحفظونها، ولارتباط النفس اللوامة بيوم القيامة، لذا بدأت السورة بعنوانها(لا اقسم بيوم القيامة{1} ولا اقسم بالنفس اللوامة) ويقسم الحق تبارك تعالى بالاثنين معاً، يوم القيامة والنفس اللوامة، ولذلك فان النفس اللوامة هذه دائماً بحاجة إلى تذكر بالآخرة، فمن أراد أن تكون نفسه لوامة فليذكرها دائماً باليوم الآخر، ومن أراد أن تكون نفسه خائفة ومستعدة للقاء الله عز وجل في يوم القيامة، فليبقها نفسا لوامة، إن لام نفسه على الذنوب يتذكر يوم القيامة، وان تذكر يوم القيامة تصبح نفسه لوامة،الاثنان يؤثران في بعضهما كعلاقة طردية بينهما.
وقد جاء مثال في نفس السورة، فحين تكلم الله عن النفس اللوامة في سورة القيامة ضرب مثالاً للنفس المقابلة للنفس اللوامة فقال سبحانهبل يريد الإنسان ليفجر أمامه)..فصاحب النفس المقابلة للنفس اللوامة وهي النفس الأمارة بالسوء، يريد الفجور في حياته المستقبلية(بل يريد الإنسان ليفجر أمامه{5}يسأل أيان يوم القيامة) فصاحب النفس الأمارة يتساءل أيان يوم القيامة!! لأنه يريد أن يفجر في حياته المستقبلية ولا يريد أن يتذكر يوم القيامة،لان نفسه ليست لوامة..ولشدة العلاقة بين النفس اللوامة ويوم القيامة كان الاثنان في سورة واحدة.
النوع الثالث:-
النفس المطمئنة: فكما أن النفس الأمارة هي مستقر الشر، فان النفس المطمئنة هي مستقر الإيمان ومستقر الأنوار، وهذه النفس اعز على الله واحب إلى الله من الكعبة، لأنها مستقر الإيمان في الأرض،فهي نفس خاشعة، نفس متوكلة على الله، نفس واثقة في الله، نفس محبة لله، تأنس بالله وتشتاق إلى الله…والله تعالى يكرمها يوم القيامة وذلك كما اخبرنا ربنا في القرآن،يقول تعالىيايتها النفس المطمئنة{27} ارجعي إلى ربك راضية مرضية{28}فادخلي في عبادي{29} وادخلي جنتي)فلو اطمئن القلب تماماً، و أصبحت عادته الاطمئنان صارت نفسه نفساً مطمئنة.
فأنواع الأنفس إذن:
-نفس أمارة بالسوء.
-نفس لوامة.
-نفس مطمئنة
***************
السؤال: طالب يسأل عما ورد في القرآن العظيم من ذكر النفس المطمئنة، والنفس اللوامة، والنفس الأمارة. ويقول: هل للإنسان أنفس متعددة بحسب ما ورد في ذكرها أم أنها نفس واحدة وهذه صفات لها؟ ويقول: نرجوكم بسط القول في هذا، وإيضاحه لنا وفقكم الله للصواب؟
الإجابة: الحمد لله وحده. هذا بحث نفيس مهم، ومن أحسن ما رأيت فيه مجموعًا ومفصلاً كلامًا للمحقق ابن القيم رحمه الله في كتاب (الروح)، وإليك خلاصة ما ذكره على هذه المسألة:
قال: هل النفس واحدة أم ثلاث؟ فقد وقع في كلام كثير من الناس أن لابن آدم ثلاث أنفس: نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة، وأن منهم من تغلب عليه هذه، ومنهم من تغلب عليه الأخرى، ويحتجون على ذلك بقوله تعالى: {يَأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (1)، وبقوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (2)، وبقوله تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} (3).
والتحقيق: أنها نفس واحدة، ولكن لها صفات متعددة، فتسمى باعتبار كل صفة باسم، فتسمى مطمئنة باعتبار طمأنينتها إلى ربها؛ بعبوديته ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه والرضا به، والسكون إليه.
فالطمأنينة إلى الله سبحانه حقيقة، ترد منه سبحانه على قلب عبده تجمعه عليه، وترد قلبه الشارد إليه، حتى كأنه جالس بين يديه؛ فتسري تلك الطمأنينة في نفسه، وقلبه ومفاصله وقواه الظاهرة والباطنة، ولا يمكن حصول الطمأنينة الحقيقية إلا بالله وبذكره: {الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (4).
وأما النفس اللوامة، وهي التي أقسم بها سبحانه في قوله: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} فاختلف فيها، فقالت طائفة: هي التي لا تثبت على حال واحدة؛ أخذوا اللفظة من التلوم، وهو التردد، فهي كثيرة التقلب والتلون، وهي من أعظم آيات الله، فإنها مخلوق من مخلوقاته تتقلب، وتتلون في الساعة الواحدة -فضلاً عن اليوم والشهر والعام والعمر- ألوانًا عديدة؛ فتذكر وتغفل، وتقبل وتعرض، وتلطف وتكثف، وتنيب وتجفو، وتحب وتبغض، وتفرح وتحزن، وترضى وتغضب، وتطيع وتعصي، وتتقي وتفجر، إلى أضعاف أضعاف ذلك من حالاتها وتلونها، فهي تتلون كل وقت ألوانًا كثيرة، فهذا قولٌ.
وقالت طائفة: اللفظة مأخوذة من اللوم.
قال الحسن البصري: إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائمًا، يقول: ما أردت بهذا؟ لم فعلت هذا؟ كان غير هذا أولى، أو نحو هذا من الكلام.
وقال غيره: هي نفس المؤمن توقعه في الذنب، ثم تلومه عليه، فهذا اللوم من الإيمان، بخلاف الشقي، فإنه لا يلوم نفسه على ذنب، بل يلومها وتلومه على فواته.
وقالت طائفة: بل هذا اللوم للنوعين، فإن كل واحد يلوم نفسه، بَرًّا كان أو فاجرًا، فالسعيد يلومها على ارتكاب معصية الله وترك طاعته، والشقي لا يلومها إلا على فوات حظها وهواها.
وقالت فرقة أخرى: هذا اللوم يوم القيامة، فإن كل واحد يلوم نفسه، إن كان مسيئًا على إساءته، وإن كان محسنًا على تقصيره.
وهذه الأقوال كلها حق ولا تنافي بينها، فإن النفس موصوفة بهذا كله، وباعتباره سميت لوامة.
لكن النفس نوعان:
- لوامة ملومة: وهي النفس الجاهلة الظالمة، التي يلومها الله وملائكته.
- ولوامة غير ملومة: وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده، فهذه غير ملومة.
وأما النفس الأمارة: فهي المذمومة، فإنها التي تأمر بكل سوء، وهذا من طبيعتها، إلا ما وفقها الله وثبتها وأعانها، فما تخلص أحد من شر نفسه إلا بتوفيق الله له، كما قال تعالى حاكيًا عن امرأة العزيز: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ َلأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (5)، وقد امتحن الله سبحانه الإنسان بهاتين النفسين: الأمارة، واللوامة كما أكرمه بالمطمئنة، فهي نفس واحدة تكون أمارة ثم لوامة ثم مطمئنة، وهي غاية كمالها وصلاحها، وأعان المطمئنة بجنود عديدة، فجعل الملك قرينها وصاحبها الذي يليها ويسددها، ويرغبها فيه.
والمقصود: أن الملَك قرين النفس المطمئنة، والشيطان قرين الأمارة، وقد روى أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن مرة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله، ومن وجد الآخر فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ} (6).
وقد رواه عمرو عن عطاء بن السائب. زاد فيه عمرو: قال: سمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال: "إذا أحس أحدكم من لمة الملك شيئًا فليحمد الله، وليسأله من فضله، وإذا أحس من لمة الشيطان شيئًا فليستغفر الله، وليتعوذ من الشيطان". انتهى ملخصًا.
___________________________________________
1 - سورة الفجر: الآية (27).
2 - سورة القيامة: الآيتان (1،2).
3 - سورة يوسف: الآية (53).
4 - سورة الرعد: الآية (28).
5 - سورة يوسف: الآية (53).
6 - سورة البقرة: الآية (268). أخرجه الترمذي (2988)، والنسائي في (الكبرى) (6/305)، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب وهو حديث أبي الأحوص لا نعلمه مرفوعًا إلا من حديث أبي الأحوص.أ.هـ. وقال في (علل) ابن أبي حاتم (2/ 244): فقال أبو زرعة: الناس يوقفونه عن عبد الله وهو الصحيح، فقال أبي: رواه حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن مرة عن عبد الله موقوفاً، قلت: فأيهما الصحيح؟ قال: هذا من عطاء بن السائب كان يرفع الحديث مرة ويوقفه أخرى، والناس يحدثون من وجوه عن عبدالله موقوفا.أ.هـ. وقال في (العلل الكبير) للترمذي (2/ 886): سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: روى بعضهم هذا الحديث عن عطاء بن السائب وأوقفه، وأرى أنه قد رفعه غير أبي الأحوص عن عطاء بن السائب وهو حديث أبي الأحوص.أ.هـ.
********************
النفس اللّوامة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف وأكرم مبعوث إلى العالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
إن من نعم الله-عز وجل- على العبد أن يكون له واعظ من نفسه يزجره،إذا قصر في طاعة الله-عز وجل-أو تجاوز حده بمعصيته، إن النفس اللوامة التي تلوم صاحبها على تقصيره لهي من نعم الله - تبارك وتعالى – على العبد..
النفس اللوامة المتيقظة التقية الخائفة المتوجسة التي تحاسب نفسها، وتتلفت حولها، وتتبين حقيقة هواها، وتحذر خداع ذاتها لهي النفس الكريمة على الله، حتى ليذكرها مع يوم القيامة (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللومة)1 ثم هي الصورة المقابلة للنفس الفاجرة..2
قال ابن كثير: وأما النفس اللوامة فقال قرة بن خالد عن الحسن البصري في هذه الآية: إن المؤمن والله ما نراه إلا يلوم نفسه. ما أردت بكلمتي، ما أردت بأكلتي، ما أردت بحديث نفسي، وإن الفاجر يمضي قدماً قدماً ما يعاتب نفسه.
وقال جويبر: بلغنا عن الحسن أنه قال في قوله تعالى: (ولا أقسم بالنفس اللوامة) قال: ليس أحد من أهل السماوات والأرضين إلا يلوم نفسه يوم القيامة، وعن عكرمة قال: يلوم على الخير والشر لو فعلت كذا وكذا.
وقال ابن عباس: هي النفس اللؤوم وقال أيضاً: اللوامة المذمومة، وقال قتادة: اللوامة: الفاجرة. قال ابن كثير: قال ابن جرير: وكل هذه الأقوال متقاربة بالمعنى والأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر وتندم على ما فات.3
وقال القرطبي: ومعنى النفس اللوامة: أي بنفس المؤمن الذي لا تراه إلا يلوم نفسه يقول: ما أردت بكذا؟ فلا تراه إلا وهو يعاتب نفسه. وقال مقاتل: هي نفس الكافر يلوم نفسه ويتحسر في الآخرة على ما فرط في جنب الله. وقال الفراء: ليس من نفس محسنة أو مسيئة إلا وهي تلوم نفسها؛ فالمحسن يلوم نفسه أن لو كان ازداد إحساناً، والمسيء يلوم نفسه ألا يكون ارعوى عن إساءته.4
وقال الثعالبي في تفسيره: وكل نفس متوسطة ليست بالمطمئنة ولا بالأمارة بالسوء فإنها لوامة في الطرفين، مرة تلوم على ترك الطاعة، ومرة تلوم على فوات ما تشتهي، فإذا اطمأنت خلصت وصفت.5
أيها الأحبة: إن النفس اللوامة: هي التي تنورت بنور القلب، قدر ما تنبهت به عن سِنَة الغفلة، وكلما صدرت عنها سيئة بحكم جبلتها أخذت تلوم نفسها.6
وقال الغزالي وهو يصف ما ينبغي أن تكون عليه النفس بعد أداء العمل، قال: محاسبتها - أي لومها- على طاعة قصرت فيها من حق الله –عز وجل- فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي، وحق الله - تعالى- في الطاعة ستة أمور وهي: الإخلاص في العمل، والنصيحة لله فيه، ومتابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم – فيه، وحصول المراقبة فيه،وشهود منة الله عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله، فيحاسب نفسه ويلومها: هل وفى هذه المقامات حقها، وهل أتى بها في هذه الطاعة، وكذلك محاسبة نفسه ولومها: على كل عمل كان تركه خيراً من فعله.
وكذلك عليه أن يحاسب نفسه ويلومها:على أمر مباح، أو معتاد: لِمَ فعله؟ وهل أراد به الله والدار والآخرة؟ فيكون رابحاً، أو أراد به الدنيا وعاجلها، فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به.7
وهذا نموذج رائع جداً للوم النفس وعتابها من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – حنظلة الأسيدي - رضي الله عنه – وكان من كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،قال: لقيني أبوبكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة. قال:سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً.. قال أبوبكر: فو الله، إنا لنلقى مثل هذا؛ فانطلقت أنا وأبوبكر حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله نكون عندك. تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات)8. فحنظله حاسب نفسه ولامها حتى قال عن نفسه (نافق حنظلة).
والنفس قد تكون لوامة أو أمارة أو مطمئنة كما ذكر ذلك ابن القيم حيث قال: والنفس قد تكون تارة أمارة، وتارة لوامة، وتارة مطمئنة، بل في اليوم الواحد والساعة الواحدة يحصل منها هذا وهذا وهذا، والحكم للغالب عليها من أحوالها، وكونها مطمئنة وصف مدح لها. وكونها أمارة بالسوء وصف ذم لها. وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم، بحسب ما تلوم عليه.
وكان الأحنف بن قيس يجيء إلى المصباح، فيضع أصبعه فيه، ثم يقول: حِس يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟
وقال مالك بن دينار: رحم الله عبداً قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله - عز وجل – فكان لها قائداً..
وقال ميمون بن مهران: لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه. ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك.9
اللهم اجعلنا ممن يحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا، ويزنون أعمالهم قبل أن توزن عليهم، واجعلنا من المتقين المصطفين الأخيار.
والحمد لله رب العالمين،،،
7- إحياء علوم الدين للغزالي (4/394-395).
*****************
· أن النفس هي الجوهر البسيط الذي قيل لأجله إنما خلقتم للبقاء لا للفناء.
* أنواع النفس: من خلال السطور القادمة نلقى الضوء على الأنفس التي تحدث عنها القرآن الكريم:
1. النفس الأمارة بالسوء : وهى مأوى الشر في الجسد ومستقره وهى التي تزين الشر وتجعل الإنسان معجبا به ليلا ونهارا وقال الله تعالى ( وما أُبرئ نفسي أن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى ) سورة يوسف.
2. النفس اللوامة : وهي التي تكثر من اللوم على صاحبها وإذا ما اقترف صاحبها ذنبا فإنها توبخه وتندم وتستشعر الندم والتقصير في حق الله ، يقول الله تعالى في سورة القيامة (لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوامة * أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه* بلى قادرين على أن نسوي بنانه) وفى آية أخرى يقول الله تبارك (فإذا برق البصر* وخسف القمر *وجمع الشمس والقمر* يقول الإنسان يومئذ أين المفر) ويقول الله تعالى في آية أخرى (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) .
وإذا كنت تريد النفس اللوامة فذكرها دائما بالآخرة وبالله وبيوم القيامة وبلحظة الوقوف بين يديه، تذكر ذنوبك وعددها وتذكر أنك اقترفتها بالرغم من نظر الله إليك.. وبمساعدة هذه العوامل تصل نفسك إلى درجة النفس اللوامة.
3. النفس المطمئنة : وهي مستقر الإيمان ومستقر النور وهى أحب إلى الله من الكعبة لأنها مستقر الإيمان في الأرض نفس خاشعة ونفس واثقة في الله تبارك نفس تحب الله وتشتاق لله قال الله تعالى (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية* فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) سورة الفجر.
ولكن لماذا سماها الله بالنفس المطمئنة ولم يسمها بالنفس المؤمنة ؟
هذا لأن معظم الأنفس تكون في حالة حيرة إلا هذه النفس فالذي يعرف الله بصدق لا يحتار أبدا .
وهناك نوع رابع للنفس .. وهي النفس الغافلة:
4. النفس الغافلة الغير جادة : وتعتبر هذه النفس من أخطر الأنواع لأن صاحبها قد يقترف ذنوبا ولكنه لا يدري أنه بغضب بها الله .. يعيش في الدنيا بلا هدف .. ولا نية تصاحب الأعمال الصالحة التي قد يقوم بفعلها .. وصاحب هذه النفس يسهل التأثير عليه من الشيطان ..
لذا أوصيك عزيزي القارئ أن تنظر في حال نفسك وحدد نفسك تنمي لأي نوع مما سابق؟؟
هل نفس أمارة بالسوء ؟ أم هي نفس لوامة ؟ أم هي نفس مطمئنة تخاف الله وتخشاه ؟ أما نفس غافلة غير جادة ؟
هل أنت ممن يقضون حياتك لله وبالله ؟؟ هل أنت ممن يحزنون للحالة التي وصلت إليها الأمة الاسلامية ؟؟ هل أنت من الذين أفادوا واستفادوا من النعم التي وهبها الله لنا ؟؟ هل أفدت مجتمعك ؟ هل تطورت من قدراتك ؟؟ هل راعيت الله في كل من تعولهم ؟؟ أم أنت من هؤلاء الذين لا يهتمون إلا بلعب الكرة وبأخبار الفنانين وبأخر صيحات الموضة؟؟
ويجد ربنا أن نشير أن الإنسان في حياته يمر بمراحل ومواقف ننغير بها نفسه .. ولطلما استمعنا لقصص التائبين الذين تحولت حياتهم في لحظة من نفس أمارة بالسوء إلى نفس لوامة ثم إلى نفس مطمئنة .. لذا عليك عزيزي القارئ ألا تيأس من تغيير نفسك إذا وجدتها غافلة أو أمارة بالسوء .. فتغيرها امر ممكن ولكن هذا يحتاج منك إلى إرادة قوية وللجوء إلى الله والاستعانة بالأصحاب الصالحين وهكذا ... وفي المقال القادم سنتحدث عن كيف يمكن للإنسان أن يفرق بين وساوس الشيطان وحديث النفس.. فتابعونا.
المصادر
**********
أنواع النفس
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله : اتفق السالكون إلى الله أن النفس قاطعة بين القلوب وبين الوصول
إلى الرب طريقاً، ولا يوصل إليه إلا بعد إماتـتـها ، فالناس على قسمين :
* قسم ظفرت به نفسه فأهلكته . *وقسم ظفروا بنفوسهم ، فصارت منقادة لأوامرهم .
وقد وصف سبحانه النفس في القرآن بثلاثة صفات : * المطمئنه ، * والأمّارة بالسوء ، * واللوامة .
النفس المطمئنه
هي التي سكنت إلى الله ، واطمأنت بذكره ، واشتاقت إلى لقائه ، وهي التي يقال لها عند الوفاة:
{ياأيّتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية ً مرضيّه ** الفجر[ 27، 28 ] .
فإذا اطمأن من الشك إلى اليقين ، ومن الجهل إلى العلم ، ومن الغفلة إلى الذكر ، ومن الرياء إلى الإخلاص ،
وصل إلى اليقظة التي كشفت عنه سِـنـَة َ الغفلة ، فرأى سرعة انقضاء الدنيا ، فاستقبل بقية عمره مستدركاً ما فات ،
ويرى في تلك اليقظة عيوب نفسه ، وعزة وقـته ، وهي أول منازل النفس المطمئنة التي ينشأ منها سفرها إلى الله والدار الآخرة .
النفس الأمّارة بالسوء
المفتونة بالشهوات والهوى : هي التي تأمر صاحبها بما تهواه ، وقد أخبر سبحانه أنها أمّارة بالسوء في قوله تعالى :
{ إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربّي ** يوسف : 53.
ولم يقل : ( آمره ) لكثرة ذلك منها ، وأنّه عادتها ، لأنها خلقت في الأصل جاهلة ظالمة وهي المذمومة ، فإنها
التي تأمر بكل سوء وهذا من طبـيـعتها إلا إن وفقها الله
وثـبـّتـها وأعانها ، فما تخلص أحد من شر نفسه إلا بتوفيق الله قال تعالى : {ولولا فضل الله عليكم ورحمته
ما زكى منكم مّن أحد ٍأبداً ** [ النور : 21 ] .
يقول ابن القيم : سائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانب النفس ، فالمواد الفاسدة كلها إليها تـنصبّ
ثم تـنـبـعـث منها إلى الأعضاء ، وأول ما تنال القلب ، يقول صلى الله عليه وسلم في خطبة الحاجة :
( ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ) وقال صلى الله عليه وسلم لحصين ( أسلم حتى أعلمك كلمات ينفعك الله بها )
فأسلم فقال : قل ( اللهم ألهمني رشدي ، وقني شر نفسي ) .
النفس اللوامة
المجاهدة الصابرة : قال تعالى : {ولا أقسم بالنفس الـلوامة ** [ القيامة : 2 ] .
قيل هي كثيرة التقلب ، فتذكر وتغفل ، وتقبل وتعرض ، وتحب وتبغض ، وتفرح وتحزن ، وترضى وتسخط .
وقد قيل:هي نفس المؤمن. قال الحسن البصري:إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائماً.
وقيل اللوم يوم القيامة ، فإن كل أحد يلوم نفسه ، فإن كان مسيئاً على إساءته وإن كان محسناً على تقصيره .
يقول الإمام ابن القيم : وهذا كـلـّه حق .
( واللوامة نوعان )
اللوامة الملومة :
هي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله وملائكته لأنها تـلوم صاحبها على تقصيره بدون بذل جهد باقية على
تـقـصـيرها بدون أي تغـيـيـر أو تـقـدم فمثلاً : الإنسان يلوم نفسه على إضاعة وقـتـه في البيت بدون فائده بدون أن
يـبـذل جهداً بل يترك لنفسه الراحة في النوم والكلام والخلطة ، فإذا هي باقـيـة عـلى تقصيرها وإضاعة وقتها .
اللوامة غير الملومة :
وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده ، وأشرف النفوس من لامت نفسها
في طاعة الله ، واحتملت ملام اللائمين في مرضاته ، فلا تأخذ فيه لومة لائم ، وهذه قد تخلّصت من لوم
الله تعالى ، أمّا من رضيت بأعمالها ولم تلم نفسها ولم تحتمل في الله لوم اللوام فهي يلومها الله عز وجل .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
**************
إن الحمد لله، نَحْمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربِّي وسلامُه عليه، وعلى آله وصَحْبه أجمعين.
أمَّا بعد:
فسبُل إصلاح النَّفس وتهذيبها يكون على مَرْحلتين: الأُولى قصيرة المَدى، لا تحتمل التَّأجيل والتسويف، وإلاَّ هلَكَت النفس، وباءت بسخط الله تعالى، والثانية طويلة المدى، فيها جِمَاع كلِّ خير، يؤدِّي إلى نَجاتها وفلاحها في الدُّنيا والآخرة.
ولْنَبدأ في بيان الأمر، والله الْمُستعان.
سبل علاج النفس وتقويمها على المدى القصير:
وتلك السُّبُل لازمة لاِسْتقرار النَّفس والمحافظة على مُسْتواها من الْهُبوط للأَدْنَى، فيصعب العلاج ويطول الأمر، ويفقد المرء الأمل، فتَخُور عزيمته، وتضعف قُوَّتُه، ويهلك نفسه، وأكتفي هنا بذِكْر سبيلين من أهمِّ السُّبل التي فيهما حياة النُّفوس، وفي تركهما ضياعٌ للنَّفس، وليس في إصلاحها بعد ذلك فائدة ألبتَّة، وهما:
1- إخلاص التوحيد لله تعالى بلا شوائب.
2- المحافظة على الصلوات الخمس المفروضة.
ولا مَفرَّ من تقويم النَّفس وترويضها على هذين السَّبيلين على المدى القصير دون تأجيل أو إبْطَاء، إذا نَوى العبد بإخلاص إِصْلاح ما بينه وبين الله - جلَّ شأنه - حقًّا، وقد يكون هذا صَعْبًا وشاقًّا بعض الشَّيء على النَّفس التي طُبِعَت على المعصية، ولكنه فيه نَجاتها وفلاحها.
وإليك البيانَ والتَّوضيح لهما، والله المستعان:
1 - إخلاص التوحيد الله تعالى بلا شوائب:
ولماذا التَّوحيد؟
لأنَّ الشِّرك الذَّنبُ الذي لا يغفره الله تعالى؛ لقوله: ? إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ? [النساء: 48].
ولقوله - تعالى -: ? وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ? [البينة: 5].
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلم -: ((أتاني آتٍ من ربِّي فأخبَرَني - أو قال: بشَّرَني - أنه مَن مات مِن أُمَّتِي لا يُشْرك بالله شيئًا دخل الجنَّة))، قلتُ: وإنْ زنَى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنَى وإن سرق))[1].
وأنت بتوحيدك لله يكون لنفسك حقٌّ عند الله تعالى أن يُدْخِلها الجنة:
• عن معاذ بن جبل قال: كنتُ رِدْفَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - على حِمَار يُقال له: عُفَير، فقال: ((يا معاذ، تدري ما حقُّ الله على العباد؟ وما حقُّ العباد على الله؟)) قال: قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنَّ حقَّ الله على العباد أن يَعْبدوا الله ولا يُشْرِكوا به شيئًا، وحقُّ العباد على الله - عزَّ وجلَّ - ألاَّ يُعذِّب من لا يُشرك به شيئًا))، قال: قلتُ: يا رسول الله، أفلا أُبَشِّر الناس؟ قال: ((لا تُبَشِّرْهم فيتَّكلوا))[2].
فإيَّاك والشِّركَ، سواء كان أكبر، كالطَّواف بالقبور، ودُعاء الأموات من دون الله، أو الذَّبح والسُّجود لغيره، أو ما أشبه ذلك مما يُخْرِج الإنسان من المِلَّة، أو شركًا أصغر، لا يُخرج الإنسان من الملَّة، ولكنه لا يَأْمَن على نَفْسِه من سخط الله عليه، فضلاً عن إحباطه للعمل، ومن أنواع هذا الشِّرك الحلف بغير الله، أو تصديق العرَّافين والدجَّالين، أو الرِّياء أو الطِّيَرة، وما أشبه ذلك.
ويجب علينا ترويض النَّفس على التوحيد الخالص لله تعالى بأنواعه الثلاثة:
• (توحيد الربوبيَّة)؛ أيْ: لا ربَّ سواه، وإفراده - سبحانه وتعالى - بالخلق، والمُلْك، والتَّدبير، قال - تعالى -: ? هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ? [فاطر: 3].
• (توحيده الألوهيَّة)؛ أي: لا إله سواه، وإدراك أنَّ مَن يشرك به ويموت على ذلك مَصِيره النَّار؛ لقوله - تعالى -: ? وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ? [النساء: 36].
• (توحيد الأَسْماء والصفات)؛ أيْ: إفراد الله - سبحانه وتعالى - بما سَمَّى ووصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله - صلَّى الله عليه وسلم - مثل صفة النُّزول من السماء، والضَّحِك والفرَح والعجَب، واليد، والعين، والرِّجل... إلخ، وذلك بإِثْبات ما أثبَتَه سبحانه وتعالى لِنَفْسِه، وما أثبته له رسولُه - صلَّى الله عليه وسلم - من غير تَحْريف، ولا تَعْطيل، ومن غير تَكْييف، ولا تمثيل؛ لقوله - تعالى -: ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ? [الشورى: 11].
2- المحافظة على الصلوات الخمس المفروضة:
الصَّلاة هي الرُّكن الثَّاني من أركان الإسلام، وهي عمود الدِّين وذرْوة سنَامه، مَن أقامها فقد أقام الدِّين، ومن تركها فقد هدم الدِّين، وهي الصِّلة التي تربط العبد بربِّه خَمْسَ مرَّات في اليوم واللَّيلة، وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، لماذا؟
لأنَّها تجعل العبد دائمًا مُراقِبًا لله تعالى في أعماله وأقواله، في ذَهابه وإِيابه، في سَريرته وعلانيته؛ لأنَّه سبحانه معه حيث كان، فتطمئنُّ نفسه، وتَسْكن جوارحه، ويستريح قلبه وفؤاده من هُموم الدُّنيا ومتاعبها؛ ولهذا كان النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلم - إذا حان وقت الصَّلاة يقول لِمُؤذِّنه بلال - رضي الله عنه -: ((قُمْ يا بلال، فأَرِحْنا بالصَّلاة))[3].
ومِن ثَم أداء الصلاة أمر لا يحتمل التَّأجيل، وإلاَّ وقع صاحب هذه النَّفس المتمرِّدة على شرع الله تحت وعيد قوله - تعالى -: ? فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ? [مريم: 59 - 60].
قال ابن كثير في "تفسيره" ما مُخْتصَره: ? فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ? [مريم: 59]؛ أيْ: قرون أُخَر، ? أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ? [مريم: 59] وأقبَلوا على شهوات الدُّنيا وملاذِّها، ورَضُوا بالحياة الدُّنيا واطمأنُّوا بها، فهؤلاء سيَلْقون غيًّا؛ أيْ: خسارًا يوم القيامة، وقد اختلفوا في الْمُراد بإضاعة الصَّلاة هاهنا، فقال البعض: المراد بإضاعتها تَرْكُها بالكُلِّية، وقال غيرُهم كالأوزاعيِّ: إنَّما أضاعوا المواقيت ولو كان تركًا كان كفرًا.
وقال الأوزاعي: قرَأ عُمَر بن عبدالعزيز: ? فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ? [مريم: 59]، ثم قال: لَم تكن إضاعتُهم تَرْكها، ولكن أضاعوا الوقت، وقال مُجاهد: ذلك عند قيام الساعة، وذهاب صالِحي أُمَّة محمد - صلَّى الله عليه وسلم - يَنْزُو بعضهم على بعض في الأَزِقَّة، وقال الحسن البصريُّ: عَطَّلوا المساجد ولزموا الضَّيعات))[4].
• وقوله - تعالى -: ? مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ? [المدثر: 42 - 48].
وفي السُّنَّة الصحيحة عشرات من الأدلَّة، فيها من التحذير والوعيد الشديدَيْن؛ ما يجعل ترك الصلاة كبيرة من أعظم الكبائر التي تؤدِّي بصاحبها إلى النار، والعياذ بالله الرحيم منها.
من ذلك:
• ما رواه أحمد وغيرُه أن النبي - صلَّى الله عليه وسلم - قال: ((مَن حافظ عليها كانت له نورًا وبُرْهانًا ونَجاة يوم القيامة، ومَن لَمْ يُحافظ عليها لم يكن له نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفِرْعون وهامان وأُبَيِّ بن خلف))[5].
• ما رواه مسلم عن جابر بن عبدالله قال: سمعتُ النبي - صلَّى الله عليه وسلم - يقول: ((إنَّ بين الرجل وبين الشِّرك والكُفْر تَرْكَ الصلاة))[6].
وقال النوويُّ في شرح الحديث ما مُختصره: "ومعنى ((بينه وبين الشرك ترك الصلاة)): أنَّ الذي يَمْنع من كُفْرِه كونُه لم يَتْرك الصلاة، فإذا ترَكَها لم يَبْقَ بينه وبين الشِّرك حائل، بل دَخَل فيه، وأمَّا تارك الصَّلاة فإنْ كان مُنْكِرًا لِوُجوبها فهو كافِرٌ بإِجْماع المُسْلمين، خارج من ملَّة الإسلام؛ إلاَّ أن يكون قريبَ عَهْد بالإسلام، ولم يُخالِط المُسْلِمين مُدَّة يَبْلغه فيها وجوب الصَّلاة عليه، وإن كان تَركه تكاسُلاً مع اعتقاده وجوبَها كما هو حال كثير من الناس، فقد اختلف العلماء فيه، فذهب مالك والشُّافعي - رحمهما الله - والجماهيرُ من السَّلَف والخلَف إلى أنَّه لا يكفر، بل يفسق ويُستتاب، فإن تاب وإلاَّ قتلناه حدًّا كالزَّاني المُحْصَن، ولكنه يُقْتَل بالسَّيف، وذَهب جماعة من السَّلَف إلى أنه يكفر" اهـ.
ومن ثَمَّ، فمَن أراد لِنَفسه النَّجاة ينبغي أن يَحْملها على عمَلِ المكاره، فالجَنَّة لا يدخلها أحدٌ إلاَّ بِمَشقَّة، والصَّلاة يجب أداؤُها في أوقاتها وهي ثقيلة على النُّفوس الغافلة، ولا يُواظِب عليها إلاَّ مَن عرف كيف يُرَوِّض نفْسَه ويحملها على المكاره ومرضاةِ الله تعالى.
وكلمة أخيرة قبل أن نَشْرع في بيان السُّبُل على المدى الطويل لأصحاب النُّفوس الضعيفة الَّذين لا يجدون غَضاضة في ترك الصلاة، أقول لهم: لقد رخَّص الشَّرع لأصحاب الأعذار بالصَّلاة في البيوت حتَّى زوال العذر، كمَرض، أو مطَر، أو بَرْد شديد، أو ظُلْمة، وغير ذلك، وكذلك رخَّص بالتيمُّم عند فَقْد الماء، والجمع بين الصلوات عند المشقَّة، وقَصْرها عند السَّفر وما أشبه ذلك، وفي ديننا سعَة، ولله الحمد والمِنَّة.
ولكن لَمْ يُرَخِّص الشرع في تَرْكها بالكُلِّية أبدًا، ولو فرضًا واحدًا، مهما كانت الأعذار والمُبَرِّرات، اللَّهم إلاَّ مَن ينطبق عليه قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((رُفِع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتَّى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصَّبِي حتى يَحْتَلم))[7]، ثُم إنِّي لَم أجد ما أقوله لمن يستسلم لنفسه الأمَّارة بالسُّوء ويترك الصَّلوات الخمس المفروضة، أو بعضها إلاَّ قوله - تعالى وجلَّ شأنه -: ? بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ? [القيامة: 14 - 15].
فقد صارت الصلاة عند مثل هؤلاء ثقيلةً على القلوب، وصار لسان حالِهم يقول: "يا بلالُ، أرِحْنا من الصَّلاة"! وحسبنا الله ونِعْم الوكيل.
ثانيًا: السُّبُل التي تعين النَّفْس على المدى الطويل:
وهذه السُّبل تحتاج لتحقيقها جميعًا على المدى الطويل إلى صَبْر ويقين برحمة الله لا يتَزَعزع، وتوكُّلٍ عليه وعزيمة لا تَلِين، ومن هذه السُّبل على سبيل المثال لا الحصر، وفيها مُجْمل الأمر في اعتقادي:
1- لا تَفْتُر عن ذِكْر الله تعالى.
2- أتَبْعِ السيِّئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وحافِظْ على حسناتك.
3- تفقَّهْ في دينك؛ لِتَعبد الله على بصيرةٍ من أَمْرِك.
4- لا تفرح بما آتاك الله، ولا تَحْزن على ما فاتك.
5- لا تغترَّ بِكَثْرة الهالكين، والحَقُّ أحَقُّ أن يُتَّبع.
6- لا تَخْش إلاَّ الله تعالى، ولا تأخُذْك فيه لومةُ لائم.
7- إيَّاك وطولَ الأمل في الدُّنيا، واذكر الموت والبِلَى.
8- لا تُحبَّ إلاَّ في الله، ولا تُبْغِض إلاَّ فيه.
9- لا يَغُرَّك الحسَب والنَّسب والمال عن أمر الحِساب.
10- تخَلَّص من آفات الجوارح المُحْبِطة للعمل.
11- لا تُهْمِل محاسبة نفسك ومراقبتها يوميًّا.
12- لا تتحمَّل أوزار غيرك، وكُنْ قوَّامًا على أهلك.
13- أَطِبْ مطعمك، ولا تأكل من حرام أو شبهة.
14- أحْسِن الظنَّ بالله، ولا تيئس من رحمته أبدًا.
15- جاهِدْ نفسك على ترك الشَّهوات وإتيان المكاره.
16- لا تقترب من مواضع الفِتَن حتَّى لا تقع فيها.
17- الْتَزم بمنهج أهل السُّنة والجماعة؛ لأنَّها الفرقة الناجية.
وحتَّى لا يَطول بنا البيان في شَرْح كلِّ هذه السُّبل؛ أكتفي هنا ببيان الثَّلاثة الأولى منها، وأترك الباقي لفِطْنة واجتهاد القارئ في معرفة تفاصيلها وبيانها.
وأُوصيه بالبحث والتأمُّل في هذه الكتب الثلاثة النَّفيسة للعلاَّمة ابن القيِّم تلميذ شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمهما الله تعالى - وفيها ما يَكْفي ويشفي، والله المستعان:
1- "إغاثة اللَّهفان من مصائد الشيطان".
2- "الجواب الكافي لمن سأل عن الدَّواء الشَّافي".
3- "روضة المُحِبِّين ونزهة المشتاقين".
ولْنَشرع في بيان السُّبل الثَّلاثة الأولى بلا تطويل مُملٍّ أو تقصير مُخِل، والله المستعان.
1 - لا تفتر عن ذكر الله تعالى:
قال - تعالى -: ? فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي ? [البقرة: 152]، وقال - تعالى -: ? وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ? [الأعراف: 205].
وقال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلم -: ((مثَلُ الذي يَذْكر ربَّه والذي لا يذكر ربَّه، مثَلُ الحيِّ والميِّت))[8].
واعلم - أخي القارئ - أنَّ الذَّاكر لله تعالى قريبٌ من ربِّه، وفي جَناب رَحْمته وكرَمِه، تَستغفر له ملائكتُه، وينبغي أن يَلْتَزم بآداب الذِّكر وشروطِه؛ ليكون مقبولاً عند الله تعالى، وتَسْمُو نفْسُه بِقُربِها من الله تعالى.
قال النوويُّ في كتابه "الأذكار" (1/ ص 10) ما مُختصَره:
"الذِّكر يكون بالقلب، ويكون باللِّسان، والأفضل منه ما كان بالقَلْب واللِّسان جميعًا، فإنِ اقتصر على أحدِهِما فالقلب أفضل، ثُمَّ لا ينبغي أن يَتْرك الذِّكر باللِّسان مع القلب؛ خوفًا من أن يُظَنَّ به الرِّياء، بل يَذْكر بهما جميعًا، ويقصد به وَجْه الله تعالى".
ثم قال - رحمه الله تعالى -:
"اعلم أنَّ فضيلة الذِّكر غير مُنْحَصِرة في التَّسبيح والتهليل، والتحميد والتَّكبير ونَحْوِها، بل كلُّ عاملٍ لله تعالى بطاعة فهو ذاكِرٌ لله تعالى، كذا قاله سعيد بن جُبَير - رضي الله عنه - وغيره من العلماء.
وقال عطاء - رحمه الله -: مَجالس الذِّكر هي مَجالس الحلال والحرام؛ كيف تَشْتري وتبيع؟ وتصلي وتصوم؟ وتنكح وتطلِّق؟ وتحجُّ؟ وأشباه هذا"؛ اهـ.
والنفس تطمئنُّ إلى ما يطمئِنُّ إليه القلب، والقلب يطمئن بذِكْر الله؛ كما قال - تعالى -: ? الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ? [الرعد: 28].
ومِن ثَمَّ، لا مندوحة من كَثْرة الذِّكر؛ لِمَا له من الفوائد العظيمة في صَلاح النَّفس والقلب معًا.
وقال ابن القيِّم - رحمه الله تعالى - في "الوابل الصَّيِّب من الكَلِم الطيِّب"، (1/ ص56) عن فوائد الذِّكر ما مُختصَرُه:
"ولا ريب أنَّ القلب يَصْدأ كما يصدأ النُّحاس والفِضَّة وغيرهما، وجِلاؤه بالذِّكر، فإنه يَجْلوه حتى يَدَعَه كالمِرْآة البيضاء، فإذا ترك صَدِئ، فإذا ذكَر جلاه.
وصدَأُ القلب بأَمْرين؛ بالغفلة، والذَّنب، وجِلاؤه بشيئين؛ بالاستغفار، والذِّكر.
فمَن كانت الغفلةُ أغلبَ أوقاته كان الصَّدأ مُتَراكبًا على قلبه، وصدَؤُه بحسب غفلته، وإذا صَدِئ القلب لم تَنْطبع فيه صُوَر المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحقِّ، والحقَّ في صورة الباطل؛ لأنَّه لَمَّا تراكَم عليه الصَّدَأ أظْلَمَ فلم تَظْهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه، فإذا تراكم عليه الصدأ واسودَّ ورَكِبه الرَّان، فسَد تصَوُّره وإدراكه، فلا يَقْبل حقًّا ولا يُنْكِر باطلاً، وهذا أعظم عقوبات القلب.
وأصل ذلك من الغفلة واتِّباع الْهَوى؛ فإنهما يَطْمِسان نور القلب ويعْمِيان بصَره؛ قال - تعالى -: ? وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ? [الكهف: 28].
فإذا أراد العبد أن يَفْتدي برجل فَلْينظر: هل هو من أهل الذِّكر أو من الغافلين؟ وهل الحاكِمُ عليه الهوى أو الوحي؟
فإن كان الحاكم عليه هو الْهَوى وهو من أهل الغَفْلة، كان أمره فرُطًا، ومعنى الفرُطِ قد فُسِّر بالتضييع؛ أيْ: أمْرُه الذي يجب أن يَلْزَمَه ويقوم به، وبِه رشْدُه وفلاحه ضائع قد فرط فيه، وفُسِّر بالإسراف؛ أيْ: قد أفرط، وفُسِّر بالإهلاك، وفُسِّر بالخلاف للحقِّ، وكلها أقوال متقارِبَة، والمقصود أنَّ الله - سبحانه وتعالى - نَهى عن طاعة مَن جَمَع هذه الصِّفات.
فينبغي للرَّجل أن ينظر في شيخه وقُدْوته ومَتْبوعه، فإنْ وجَده كذلك فلْيبْعد منه، وإنْ وجَدَه ممن غلب عليه ذِكْر الله - عزَّ وجلَّ - واتِّباع السُّنة، وأمره غير مَفْروط عليه، بل هو حازم في أمره - فلْيَستمسك بِغَرْزِه، ولا فرق بين الحيِّ والميت إلاَّ بالذِّكر، فمَثَل الذي يَذْكر رَبَّه والذي لا يذكر ربَّه كمثَل الحيِّ والميت.
ثم ذكر - رَحِمَه الله تعالى - عشرات من فوائد ذِكْر الله تعالى، والتي فيها صلاحُ القلوب والنُّفوس، نَذْكر بعضها هنا، والله المستعان:
1- أنَّه يَطْرد الشَّيطان ويقمعه ويكسره.
2- أنه يُرْضي الرحمن - عزَّ وجلَّ.
3- أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
4- أنه يَجْلب الرِّزق.
5- أنه يكسو الذَّاكر المهابة والحلاوة والنضرة.
6- أنه يورثه المَحبَّة التي هي رُوح الإسلام وقُطْب رحَى الدِّين، ومدار السعادة والنَّجاة، وقد جعل الله لكلِّ شيء سببًا، وجعل سبب المَحبَّة دوام الذِّكر، فمن أراد أن يَنال مَحبَّة الله - عزَّ وجلَّ - فلْيَلْهَج بذِكْره؛ فإنه الدَّرس والمذاكرة كما أنه باب العلم، فالذِّكْر باب المَحبَّة وشارعها الأعظم وصِرَاطها الأقوم.
7- أنَّه يورثه المراقبة حتى يُدْخِله في باب الإحسان، فيَعْبد الله كأنَّه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذِّكر إلى مقام الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت.
8- أنه يورثه الإِنَابة، وهي الرُّجوع إلى الله - عزَّ وجلَّ - فمتَى أكثر الرُّجوع إليه بِذِكْره أورَثَه ذلك رجوعَه بقلبه إليه في كلِّ أحواله، فيَبْقى الله - عزَّ وجلَّ - مَفْزَعَه وملجَأَه، ومَلاذَه ومَعاذَه، وقِبْلةَ قلْبِه، ومَهْرَبه عند النوازل والبلايا.
9- أنَّه يورثه الهيبة لربِّه - عزَّ وجلَّ - وإجلالَه؛ لشدَّة استيلائه على قلبه، وحضوره مع الله تعالى، بخلاف الغافل، فإنَّ حجاب الهيبة رقيقٌ في قلبه.
10- أنَّه يورثه ذِكْرَ الله تعالى له؛ كما قال - تعالى -: ? فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ? [البقرة: 152]، ولو لم يكن في الذِّكر إلاَّ هذه وحدها لكَفى بها فضلاً وشرفًا، وقال - صلَّى الله عليه وسلم - فيما يَرْوِي عن رَبِّه - تبارك وتعالى -: ((مَن ذكَرَني في نفْسِه ذكرتُه في نفسي، ومن ذكَرني في مَلأٍ ذكَرْتُه في ملأٍ خير منهم)).
11- أنه يحطُّ الخطايا ويُذْهِبها؛ فإنَّه من أعظم الحسنات، والحسنات يُذْهِبن السيِّئات.
12- أنه سبب اشتغال اللِّسان عن الغيبة والنَّميمة، والكذب والفُحْش والباطل، فإنَّ العبد لا بُدَّ له من أن يتكلَّم، فإن لم يتكلَّم بِذِكْر الله تعالى وذِكْر أوامره تكلَّم بهذه المُحَرَّمات أو بعضها، ولا سبيل إلى السَّلامة منها ألبتَّة إلاَّ بذِكْر الله تعالى.
والمشاهدة والتجربة شاهدان بذلك، فمَن عوَّد لِسانه ذِكْرَ الله صان لسانه عن الباطل واللَّغو، ومن يبس لسانه عَن ذِكْر الله تعالى ترَطَّب بكلِّ باطل ولَغْو وفُحْش، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله.
2- أتْبِعِ السيِّئة الحسنة تَمْحُها، وحافِظْ على حسناتك:
فلو نطَق لِسانُك بكلمة لا يَرْضاها الله تعالى كغِيبة أو نَميمة أو كذبة فهذه سيِّئة، وللمحافظة على رُجْحان كفَّة حسناتك، أتْبِع السيِّئة الحسنة، وهذا ما أوصانا به الحبيبُ - صلَّى الله عليه وسلم - قال: ((اتَّقِ الله حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السيِّئةَ الحسنة تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بِخُلُق حسن))[9].
فعليك بذِكْر الله، ولك بكلِّ تسبيحة صدقَة، وكلِّ تهليلة صدقة، وكلِّ تكبيرة صدقة، أو قل بعدها: "أستغفر الله العظيم، وأتوب إليه"، وإيَّاك والإصرارَ على الخطأ في الكلام، فرُبَّما كانت كلمة تُخْرِجك من المِلَّة؛ لحديث البخاريِّ عن أبي هريرة، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلم – قال: ((إنَّ العبد ليتكلَّم بالكلمة من رِضْوان الله لا يُلْقِي لَها بالاً، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلَّم بالكلمة من سخط الله لا يُلْقِي لها بالاً يهوي بها في جهنَّم))[10].
ومن رحمة الله أنَّه يُجازي السيِّئة بالسيِّئة، والحسنة بِعَشر؛ لِحَديثِ مُسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -: ((قال الله - عزَّ وجلَّ -: إذا هَمَّ عبدي بسيِّئة فلا تَكْتبوها عليه، فإنْ عَمِلَها فاكتبوها سيِّئة، وإذا هَمَّ بحسنة فلم يَعْمَلها فاكتبوها حسَنة، فإنْ عَمِلَها فاكتبوها عشرًا))[11].
فالمقصود: إنْ عَمِلْت عملاً لا يَرْضاه الله حرَّضك عليه شيطانُك؛ لِغَضب أو كِبْر، فعليك بِعَمَل يمحو العمل السيِّئ؛ لأنَّ الحسنات تُذْهِبْن السيِّئات.
وهذا الأمر يَسْتلزم من العبد أن يكون مُراقِبًا ومُحاسبًا لِنَفْسِه، وإلاَّ هلك بتراكُم السيِّئات، وقِلَّة الحسنات يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلاَّ مَن أتى الله تعالى بِقَلب سليم.
ويَجِب على مَن تستحلُّ نَفْسُه المعصية أيًّا كانت أن يُبادر إلى تقويمها وترويضها، ولا يتركها على هواها، فتُفْسِد عليه دينَه ودنياه، ولا يكتفي بإصلاح خُطاها بالحسنات الماحية، بل لا بُدَّ من تغييرها للأفضل ولو بالتدرُّج؛ وذلك عن طريق المجاهدة.
قال العلاَّمة ابن القيِّم في "الفوائد" (1/60) ما نَصُّه:
"قال - تعالى -: ? وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ? [العنكبوت: 69] علَّق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمَلُ الناس هداية أعظَمُهم جِهادًا، وأفرض الجهاد جهاد النَّفْس، وجهاد الْهَوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدُّنيا، فمَن جاهَدَ هذه الأربعة في الله هداه الله سبُلَ رِضاه المُوصلة إلى جَنَّتِه، ومن ترك الجهاد فاته مِن الْهُدى بحسب ما عطَّل من الجهاد، قال الْجُنَيْد: والذين جاهدوا أهواءَهم فينا بالتَّوبة لَنهدِيَنَّهم سبُلَ الإخلاص، ولا يتمكَّن من جهاد عدوِّه في الظاهر إلاَّ مَن جاهد هذه الأعداء باطِنًا، فمن نُصِر عليها نُصر على عدوِّه، ومن نُصِرَتْ عليه نُصِر عليه عدوُّه"؛ اهـ.
3- تفَقَّه في الدِّين؛ لِتَعبد الله على بصيرة مِن أمرك:
أغْلَب عيوب وآفات النَّفس تأتي من الجهل بالحلال والحرام، ولو تفقَّه العبد في دينه لاسْتَطاع ترويض نفسه وتقويمها على طاعة الله تعالى، وفي القرآن والسُّن