هارون وابن السماك
وبعث هارون الرشيد إلى ابن
السماك وكان من ائمة السلف الصالح ، فدخل عليه وعنده يحيى بن خالد ، فقال يحيى: إن
أمير المؤمنين أرسل إليك لما بلغه من صلاح حالك في نفسك وكثرة ذكرك لربك عز وجل
ودعائك للعامة؛ فقال ابنُ السماك أما ما بلغ أميرَ المؤمنين من صلاحنا في أنفسنا
فذلك بستر الله علينا؛ فلو اطلع الناس على ذنب من ذنوبنا لما أقدم قلبٌ لنا على
مودة ولا جرى لسانٌ لنا بمدحة؛ وإني لأخاف أن أكون بالستر مغرورا وبمدح الناس
مفتونا وإني لأخاف أن أهلك بهما وبقلة الشكر عليهما وطلب الرشيد ماء ليشرب ، ثم قال
لابن السماك : عظني
فقال له: بالله عليك يا أمير المؤمنين لو مُنعت هذه الشربة
بكم تشتريها؟ قال بنصف ملكي، قال: لو مُنعت خروجَها بكم كنت تشتريه؟ قال بنصف ملكي
الآخر ، فقال إن ملكا قيمته شربة ماء وبولة لجدير أن لا يٌنافس فيه فبكى هارون
بكاءا شديدا
وقال له ابن السماك يوما: إنك تموت وحدك وتدخل القبر وحدك
وتبعث منه وحدك ، فاحذر المقامَ بين يدي الله عز وجل والوقوفَ بين الجنة والنار؛
حين يؤخذ بالكَظَم ، وتزل القدم، ويقع الندم ، فلا توبةٌ تقبل ولا عثرةٌ تقال، ولا
يقبل فداءٌ بمال.
فجعل الرشيد يبكي حتى علا صوته فقال يحيى بن خالد له: يا ابن
السماك لقد شققت على أمير المؤمنين الليلة فقام فخرج من عنده وهو يبكي
وينتحب