.
فلما قرأ هارون
هذه الرسالة ثارت ثائرته، وغضب غضبًا شديدًا،وامر بقلم وكتب على ظهر رسالة
الإمبراطور: “من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن
الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام”.
وخرج هارون بنفسه في (187
هـ= 803م)، حتى وصل “هرقلة” وهي مدينة بالقرب من القسطنطينية، واضطر نقفور إلى
الصلح والموادعة، وحمل مال الجزية إلى الخليفة كما كانت تفعل “إيريني” من قبل،
ولكنه نقض المعاهدة بعد عودة الرشيد، فعاد الرشيد إلى قتاله في عام (188هـ= 804م)
وهزمه هزيمة منكرة، وقتل من جيشه أربعين ألفا، وجُرح نقفور نفسه، وقبل الموادعة،
وفي العام التالي (189هـ=805م) حدث الفداء بين المسلمين والروم، ولم يبق مسلم في
الأسر، فابتهج الناس لذلك.
غير أن أهم غزوات الرشيد ضد الروم كانت في سنة (
190 هـ= 806م)، حين قاد جيشًا ضخماً عدته 135 ألف جندي ضد نقفور الذي هاجم حدود
الدولة العباسية، فاستولى المسلمون على حصون كثيرة، كانت قد فقدت من أيام الدولة
الأموية، مثل “طوانة” بثغر “المصيصة”، وحاصر “هرقلة” وضربها بالمنجنيق، حتى
استسلمت، وعاد نقفور إلى طلب الهدنة، وخاطبه بأمير المؤمنين، ودفع الجزية عن نفسه
وقادته وسائر أهل بلده، واتفق على ألا يعمر هرقلة مرة أخرى
وقد اتسعت رقعة
الخلافة الإسلامية في عصره؛ حتى بلغت مشارق الأرض ومغاربها؛ وكانت الأموال تحمل من
جميع الأقاليم- بعد تكفية الجيوش- إلى بيت المال على بعد المسافة، وكان يستلقي على
قفاه وينظر إلى السحابة، فيقول: اذهبي إلى حيثُ شئت؛ خراجُك يأتيني يإذن
الله
.