مراتب العشق وأسماؤه وصفاته

مراتب العشق وأسماؤه وصفاته
فأول مراتبه الهوى, وهو ميل النفس, وقد يراد به نفس المحبوب. ثم العلاقة, وهي الحب الملازم للقلب. ثم الكَلَف, وهو شدة الحب, وأصله من الكلفة وهي المشقة, وقيل هو مأخوذ من الأثر وهو شيء يعلو الوجه كالسمسم, والكَلَف أيضا لون بين السواد والحمرة, وهي حمرة كُدْرة. ثم العشق, وهو اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه الحب, قال في الصحاح: هو فرط الحب, وهو أمرّ هذه الأسماء, وقلما نطقت به العرب, وكأنهم ستروا اسمه وكنَّوا عنه بهذه الأسماء, ولا تكاد تجده في شعرهم القديم, وإنما أولع به المتأخرون, ولم يقع هذا اللفظ في الكتاب العزيز, ولا السنة المطهّرة إلا في حديث ابن داود الظاهري. ثم الشغف, قال العزيزي في غريب القرآن: شغفها حبا: أصاب حبه شغاف قلبها, وهو الغلاف أو حَبَةُ القلب, وهي علقة سوداء في صميمه(1), وشغفها حبا: ارتفع حبه إلى أعلى موضع في قلبها, مشتق من شغاف الجبال أي رؤوسها, وقولهم: فلان مشغوف بفلانة, أي ذهب به الحب أقصى المذاهب, والشَّعَف بالمهملة(2) : إحراق القلب, وقد قُرئ بهما جميعا, ومثله في الإحراق: اللوعة واللاعج, فهذا هو الهوى المحرق. ثم الجوى, وهو الهوى الباطن, قال الجوهري: الجوى الحـُرْقة وشدة الوجد من عشق أو حزن. ثم التَّتَيُّم, وهو أن يستعبده الحب, ومنه سُمِّي تَيم الله, أي عبدالله. ثم التَّبَل, وهو أن يُسقمه الهوى, وفي الصحاح: تَبَلهم الدهر وأتبلهم إذا أفناهم. ثم التدلُّه, وهو ذهاب العقل من الهوى, ويقال: دلَّهه الحب أي حيَّره. ثم الهيام, وهو أن يذهب على وجهه لغَلَبة الهوى عليه. ثم الصبابة, وهو رقّة الشوق وحرارته.
والمقت: المحبة, والوامق المحب. والوجد: الحب الذي يتبعه الحزن. والدَّنَف: لا تكاد تستعمله العرب في الحب وإنما اولع به المتأخرون, وإنما استعمله العرب في المرض. والشَّجُو: حبٌّ يتبعه همٌّ وحزن. والشوق:سفر القلب إلى المحبوب, قال الجوهري: الشوق والاشتياق نزاع النفس إلى الشيء, وقد جاء في السُّنة "وأسالك النظر إلى وجهك الكريم, والشوق إلى لقائك". واختُلف فيه: هل يزول بالوصال أو يزيد. والبلبال: الهم ووسواس الصدود, والبلابل جمع بلبلة, يقال: بلابل الشوق, وهي وساوسه. والتباريح: الشدائد والدواهي, يقال: برَّح به الحب والشوق إذا اصابه منه البرح وهو الشدة. والغمرة: ما يغمر القلب من حب أو سكر أو غفلة. والشجن: الحاجة حيث كانت, وحاجة المحب أشد إلى محبوبه. والوصَب: ألم الحب ومرضه, فإن أصل الوصب المرض. والكمَد: الحزن المكتوم, وتغير اللون. والأرق: السهر, وهو من لزام المحبة. والحنين: الشوق الممزوج برقّة وتذكُّر يهيج الباعثة. والجنون: أصل مادته الستر, والحب المفرط يستر العقل, فلا يعقل المحب ما ينفعه ولا ما يضره, فهو شعبة من الجنون, ومن الحب ما يكون جنونا. والود: خالص الحب وألطفه وأرقه, وهو من الحب بمنزلة الرأفة من الرحمة. والخُلَّة: توحيد المحبة, فالخليل هو الذي يوحّد حبَّه لمحبوبه, وهي مرتبة لا تقبل المشاركة, ولهذا اختص بها من العالم الخليلان: إبراهيم ومحمد صللم(3) كما قال تعالى "واتخذ الله إبراهيم خليلا" وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الله اتّخذني خليلا كما اتّخذ إبراهيم خليلا" وصح عنه صلى الله عليه وسلم "لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبابكر خليلا". وقيل إنما سُمّيت (خُلَّة) لتخلّل المحبة جميع أجزاء الروح, وزعم من لا علم عنده أن الحبيب أفضل من الخليل, وهذا الزعم باطل؛ لأن الخُلَّة خاصة والمحبة عامة, قال تعالى "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهّرين". والغرام: الحب اللازم, يقال: رجل مغرم بالحب, وقد لزمه الحب, وفي الصحاح: الغرام الولوع. والوَلَه: ذهاب العقل والتحيُّر من شدة الوجد, وما أحسن قول السيد يوسف بن إبراهيم الأمير:
عشـق المحبـوب ظبيا مثله فاعتــراه لهواه ولهُ
كان معشوقا فأضحى عاشقا فقضى الحـب عليه ولهُ
والرسيس: من الرس وهو الثبات ورسوخ صورة المحبوب في النفس, وزعموا أنه أول المراتب ويليه الحب, والحب أخص من العشق؛ لأنه عن أول نظرة, وأقصاه امتزاج الأرواح. والرأفة: أشد الحب؛ لأنها مبالغة في الرحمة. والصَّبْوَة: لا تُطلق حقيقة إلا على الميل والافتتان في زمن الصبا, لكن تطلق تجوُّزًا على مطلق الميل؛ للمشابهة والنزوع. والكآبة: شدة الحزن كالتفجّع, أو هو توجُّع وبكاء على الفقد والبرَح. والغلّ: شدة العشق. والسُّهْد: شدة السهر وتواتر أحوال المحبوب على القلب, وفي معناه التحرق واللذع والولع. والنَّصَب: لوعة مع مرض وغمّ. والخبَل: الجنون المتولد من شدة الحب, وهذا في الأصح آخر المراتب. والجزَع: عدم الصبر على الفرقة. والهلع: أشدُّه. والخلابة: سلب العقل. والبلَه: حُمْقٌ أو غفلة ..
فيكون هنا استغرقنا في الحب. وفي ترتيب هذه الأسماء خلاف يرد على من التزم ترتيبها, ونحن قد أوضحنا نفس المعاني, ومنها يسهل الترتيب والتنزيل على المراتب فتأمّلْ. وله أسماء غير هذه أضربت عنها خوف الإطالة.
و(المحبة) أم باب هذه الأسماء كلها, قيل: الشوق جنس والمحبة نوع منه, والحب حرف ينتظم الثلاثة: العشق, والجد, والهوى. وللناس في حد المحبة(4) كلام كثير, فقيل: هي الميل الدائم بالقلب الهائم, وقيل: ذكر المحبوب على عدد الأنفاس. وقيل: مصاحبته على الإدمان. وقيل: القيام بكل ما يحبه منك, ثم القلب إذا امتلأ من الحب فلا اتساع فيه لغير المحبوب "والذين آمنوا أشد حبًّا لله".
ـــــــــــــ