eid صاحب الموقع (فقير المداحين)
عدد المساهمات : 2673 تاريخ التسجيل : 15/05/2009 الموقع : www.aidjad.yoo7.com
| موضوع: شهيدة العشق الالهى رابعة العدوية السبت مايو 01, 2010 5:52 pm | |
| رابعة العدويّة... العابدة الزاهدة شهيدة العشق الإلهي
حين يأتي ذكر المتصوّفات يقفز اسم رابعة العدوية إلى المقدمة، كامرأة فريدة في الثقافة الشعبية العربية مكلَّلة بتقدير وعرفان ومحبة، لكنها في الوقت نفسه محاطة بغموض شديد، حول رؤيتها ومسلكها. فرابعة مالت إلى التصوف العملي، ولم تترك لنا أي أثر مكتوب نستطيع من خلاله أن نحكم عليها، ونجلي بعض غموضها. وكل ما قيل عن رابعة أحيل إلى مصادر قليلة، منها {البيان والتبيين} و{البخلاء} للجاحظ و{تذكرة الأولياء} لفريد الدين العطار. أما مؤرخو الفرق والعقائد فلم يذكروا عنها إلا أموراً متناثرة وقليلة، وركّزوا على تجربتها العملية.
وفي مثل هذا الوضع ينفتح الباب واسعاً للحكي والإضافة والترديد، وهو من السمات الأصيلة في الثقافة الشعبية، التي أخذت ما قيل عن رابعة العدوية، وراحت تضيف إليه كل ما يعظِّم صورتها، من دون أن تهتم بالحقيقة، التي لا يعرف عنها حتى المتخصصين الكثير، وهي مسألة ظاهرة من حيث المنشأ، إذ خلط بعض المؤرخين بين رابعة العدوية ورابعة الشامية، أو رابعة بنت إسماعيل التي توفيت في القدس عام 235هـ. وتعبّر نفيسة عابد في كتابها {أصحاب الكرامات} عن صورة رابعة الشعبية قائلة: {هي أشهر النساء العارفات بالله تعالى. قصتها في حب الله تتناقلها الأجيال الإسلامية، جيل بعد جيل، لكونها نموذجاً رائعاً وقدوة صالحة لمن ترغب في معرفة طريق الله والإصرار على التمسك بدينه. وحياتها سراج يضيء الطريق إلى حب الله، ولذا لقًبها الناس بشهيدة العشق الإلهي}.
غموض وخلاف امتد الغموض والخلاف إلى تاريخ ميلاد رابعة العدوية، إذ جزم البعض بأنه كان 135 هـ فيما أكد آخرون أنه كان بعد ذلك بخمسين عاماً كاملة، وكذلك إلى قضية زواجها، إذ قال فريق إنها تزوجت، وسموا زوجها بأنه أحمد بن أبي الحواري، لكن اتضح أن الأخير هو زوج رابعة الشامية، وأنه مات سنة 230 هـ ما يستبعد تماماً فكرة زواجه من العدوية. وقال فريق آخر بأنها عاشت متبتلة ولم تتزوج من أحد، وكانت تعتبر الزواج شهوانية لا يمكنها أن تقع فيها.
وقيل إن أمير البصرة محمد بن سليمان الهاشمي عرض عليها الزواج وأغراها بالمال، لكنها كتبت إليه تقول: {الزهد في الدنيا راحة البدن، والرغبة فيها تورث الهم والحزن. فهيئ زادك، وقدّم لمعادك، وكن وصي نفسك، ولا تجعل الرجال أوصياءك، فيقتسموا تركتك وصم الدهر، واجعل فطرك الموت. وأما أنا فلو خولني الله أمثالك وحزت ما أضعافه فلم يسرني أن اشتغل عن الله طرفة عين}.
وموقف رابعة هذا من الرجال، جعل مادحيها يتّكئون على أنها وجهت حبها إلى خالقها سبحانه وتعالى، وهنا يقول الدكتور فيصل بدر عون: {عاهدت رابعة نفسها منذ الصبا على ألا تقترن بأحد غير الله، حبيبها وأنيسها وسلوتها، برضاه ترضى، وبعشقه تهيم، وبشوقه تحيا. ومن هنا نجد طاقة الحب عند رابعة قد ولت وجهها تجاه الله. إن الحب بلا شك أقوى عواطف المرأة وأسلحتها. وقد كان على رابعة أن توجه هذه الطاقة نحو مرادها}. ويقال إن الحسن البصري سأل رابعة ذات يوم: هل ترغبين في النكاح؟
فقالت: إن عقد النكاح يجري على وجود. والوجود معدوم هنا، فإن نفسي أعدمتني الوجود وإنني وجدت به، وكليتي متعلقة به، وفي ظل حكمه. فقال لها الحسن: كيف تعرفين ذلك؟ فقالت: يا حسن أنت تعرفه بدليل، ونحن نعرفه بلا دليل. وقد سلِّطت الأضواء على هذه النقطة في حياة رابعة، فظهرت في الأدب الشعبي امرأة طلقت شهوات الدنيا إلى غير رجعة، وودّعت حياة اللهو والخلاعة، وخلت إلى حبيبها العظيم تناجيه بأبيات شعر تجري على ألسنة عوام المسلمين، وينشدها الأئمة على المنابر: أحبك حبين، حب الهوى وحباً لأنك أهل لذاكا فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عمن سواكا وأما الذي أنت أهل له فكشفك للحجب حتى أراكا فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
وثمة بيتان من الشعر منسوبان لها أيضاً، وهما يدلان بصورة قوية على أن رابعة تخلت عن حاجات جسدها، وسخّرته لخدمة أشواق روحها المعلقة بالخالق العظيم. فها هي تنشد: إني جعلتك في الفؤاد محدثي وأبحت جسمي من أراد جلوسي فالجسم مني للجليس مؤانس وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
ويحاول الفيلسوف الكبير عبد الرحمن بدوي أن يجد رابطاً بين زهد رابعة وبين علاقتها كامرأة بالرجل في ريعان شبابها، ليفترض أنها ربما تكون مرت بتجربة حب يائسة، أخفقت فيها أن تصل محبوبها، أو تتزوج منه، فطلقت الدنيا كلها، وخلتها وراء ظهرها، بمفاتنها وشهواتها، ويقول هنا: {ذكريات الماضي الداعي إلى التقوى والمواعظ مهما بلغ تأثيرها لا تكفي لتفسير ما حدث لديها. فلا مناص إذن من افتراض هذا عامل الإخفاق في قصة حب إنسانية}. لكن أقوال بدوي هذه لا تستند إلى أدلة دامغة، إنما هي مجرد استنتاجات لا يمكن أن يقطع بها أحد، أو يتخذ منها تفسيراً وحيداً لزهد رابعة وتصوّفها.
زهد وورع وثمة حوار ورد في {تذكرة الأولياء} يدل على ورع رابعة وزهدها. فقد رُوي أن مالك بن دينار، والحسن البصري وشقيق البلخي ذهبوا يعودون رابعة، وكانت تعاني من مرض شديد. فقال لها الحسن: ـ ليس بصادق في دعواه من لم يصبر على ضرب مولاه. فقالت رابعة: هذا كلام يشم فيه رائحة الأنانية. فقال شقيق: ليس بصادق في دعواه من لم يشكر على ضرب مولاه. فقالت رابعة: يجب أن يكون أحسن من ذلك. فقال مالك: ليس بصادق في دعواه من لم يتلذذ بضرب مولاه. فقالت رابعة: يجب أن يقال أحسن من هذا. فقالوا لها: تكلمي أنت يا رابعة. فقالت: ليس بصادق في دعواه من لم ينسَ الضرب في مشاهدة مولاه. ويقال أيضا إن سفيان الثوري ذهب يعودها بصحبة عبد الواحد بن عامر، فقال لها الأول: ألا تدعين الله بدعاء يخفف عنك الألم. فقالت له رابعة: يا سفيان إنك لا تعلم من الذي أراد بي هذا المرض ..؟ أليس هو الله؟ فقال: بلى. فقالت: ما دمت تعلم. فلماذا تدعوني لأن أطلب منه شيئاً يخالف إرادته؟ فمخالفة المحبوب غير مستساغة. فقال سفيان: وماذا تشتهين؟ فقالت: يا سفيان إنك رجل من أهل العلم. فلماذا تتكلم بمثل هذا وتقول: ماذا تشتهين؟ فبعزة الله إن لي اثني عشر عاماً وأنا أشتهي الرطب وهو ميسور في البصرة... وأنا لم أتناوله حتى الآن لأنني أمة. وما شأن الأمة بالآمال واختيار الرغبات؟ ويكون هذا كفرا لو أردته أنا. ولم يرده الله، فينبغي طلب شيء يريده هو حتى نكون بحق عبيده، فإذا أعطاه هو فذلك شيء آخر. قال سفيان: فسكت ولم أفه بشيء. ثم قلت لها: ما دمنا لا نستطيع التكلم في أمرك فتكلمي أنت في أمرنا، فقالت: إنك رجل صالح، أولاً إنك تحب الدنيا، إنك تحب رواية الحديث. وهذا نوع من طلب الجاه.
وهنا نطق الثاني وهو عبد الله بن عامر وقال: رب ارضَ عني. فقالت رابعة له: ألا تستحي أن تطلب رضاء من لست راضياً عنه. إن العبد يكون قد قام بشروط العبودية حين لا يشعر بألم ولا بسقم، أي لا يكون في درجة من الفناء في الله حتى ينسى ألمه. لم تولد رابعة متصوِّفة، ولم تكن من بيت معروف عنه الزهد والورع، إنما كان لتصوُّفها وتعبُّدها وزهدها قصة تُروى، نقلتها من حال إلى حال. ويقال إن رابعة كانت ذات يوم تسير وحيدة في طريق، لا أنيس لها ولا حارس. وكان ثمة رجل يسير خلفها، ويحدق فيها، ويضمر لها السوء. لمحته رابعة فأسرعت الخطى، بقدر ما وسعتها قدماها، وهدها التعب فوقعت على وجهها، وراحت تناجي ربها: {يا إلهي إنني غريبة يتيمة، أرسف في قيود الرق، لكن همي الكبير هو أن أعرف، أراضٍ أنت عني أم غير راض. وعندها سمعت هاتفاً يناديها من عنان السماء: لا تحزني ففي يوم الحساب يتطلع المقربون في السماء إليك ويحسدونك على ما ستكونين فيه. فلما سمعت هذا الصوت عادت إلى بيت سيدها وصارت تصوم وتقوم وتعبد ربها من دون أن تكف عن خدمة سيدها من البشر، متحملة أذاه واضطهاده وتعذيبه لها.
جذور وبذور لكنْ للنزعة الدينية لدى رابعة جذور لا يمكن نكرانها، فهي ابنة رجل معروف بتديّنه واعتزازه بكرامته، وثقته في ربه، إذ رفض في أشد ساعات حاجته أن يسأل الناس شيئاً. وعلى رغم أن حياتها الأسرية لم تستمر طويلاً، إلا أنها تركت فيها بعض قيم لم تسقط، والتي تنتقل من السلف إلى الخلف، وتمتد من الأجداد إلى الأحفاد.
كذلك، السياق الاجتماعي الذي أحاط برابعة ساقها إلى الزهد، أو على الأقل يسّر طريقها إليه. فقد اتسع نطاق الزهد في القرن الثاني الهجري، بصيغة لم تكن موجودة في عصر الصحابة والتابعين. وظهرت جماعات من الزاهدين في الكوفة والبصرة، في مقدّمهم إبراهيم بن أدهم، ومالك بن دينار، وبشر الحافي.
كراماتها تروي السير الكثير من {كرامات} السيدة رابعة العدوية، وهي غزيرة إلى درجة لافتة، ومشحونة بقصص مفعمة بالعظات والعبر. وتقول إحدى هذه القصص إن لصا دخل يوماً إلى حجرة رابعة وهي غارقة في نومها، فسرق ثيابها وراح يهم بالخروج فلم يجد الباب. فعاد ووضع الثياب على الأرض فبان له الباب في مكانه. فرجع والتقط الثياب فعاد الباب إلى الاختفاء. وكرر فعلته مرات عدة، حتى ناداه هاتف: {دع الثياب فإنا نحفظها ولا ندعها لك}.
وثمة قصة أخرى تُروى في كراماتها، أحد أطرافها سيّدها الغني. فهذا السيد قام ذات ليلة، وتسلل إلى باب غرفتها، وراح يتلصص عليها من ثقب في الباب، قاصداً بها سوءاً، فإذا به يجدها وقد نهضت واقفة، والدموع تطفر من عينيها، وراحت تناجي ربها: إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك، ونور عيني في خدمة عتبتك. ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن خدمتك، ولكنك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق القاسي من عبادك. ووصل صوت مناجاتها إلى أذنيّ سيدها، بينما راحت عيناه تتابعان قنديلاً يحلق فوق رأسها من دون أن يكون مثبتاً في شيء، وينبعث منه نور غامر ملأ البيت. ففزع الرجل ونهض من مكانه، وتراجع إلى الخلف، وعاد إلى غرفته، لكن النوم لم يزر عينيه. ظل سيد رابعة ساهراً ورأسه مشغول بما سمع ورأى، حتى أطل النهار من خصاص النافذة، فاستدعى رابعة وقال لها: لقد وهبتك الحرية، فإن شئت بقيت هنا في بيتي ونكون جميعاً في خدمتك، وإن شئت فارحلى حرّة إلى أي مكان تريدين.
تروي خادمتها عبدة بنت أبي شوال أن رابعة حين حضرتها الوفاة دعتها وقالت لها: يا عبدة لا تؤذني بموتي أحداً. وكفّنيني في جبّتي هذه. وهي جبّة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون. وقالت عبدة: فكفناها في تلك الجبة، وفي خمار صوف كانت تلبسه. ثم رأيتها بعد ذلك بسنة أو نحو في منامي عليها حلة استبرق خضراء. وخمار من سندس أخضر لم أر شيئاً قط أحسن منه. فقالت لها: يا رابعة ما فعلت بالجبة التي كفناك فيها والخمار والصوف؟ فردت رابعة: إنه والله نزع عني وأبدلت به ما ترينه علي. فطويت أكفاني وختم عليها، ورفعت في عليين، ليكمل لي بها ثوابها يوم القيامة. فقالت لها عبدة: مريني بأمر أتقرب به إلى الله، فردت رابعة: عليك بكثرة ذكره، يوشك أن تغتبطي بذلك في قبرك.
رؤيتها للحج يُعرف عن رابعة أن لها موقفاً خاصاً من فريضة الحج، يختلف عما يريده العامة من أدائها. وفي بداية رحلاتها إلى الحج ناجت رابعة ربّها قائلة: {إلهي وعدت بجزاءين لأمرين، القيام بالحج، والصبر على الشدائد، فإن لم يكن حجي صحيحاً مقبولاً عندك، فيا ويلتاه، وما أشد هذه المصيبة عندي}. ولما صعدت رابعة درجات في معراج التصوّف ناجت ربّها وهي في طريقها إلى الكعبة المشرفة: {إلهي إن قلبي ليضطرب في هذه الوحشة، أنا لبنة والكعبة حجر وما أريد هو أن أشاهد وجهك الكريم'، فيقال إن صوتاً ناداها من السماء: يا رابعة أتطلبين وحدك ما يقتضي دم الدنيا بأسرها؟ إن موسى حين رام أن يشاهد وجه الله لم يلق إلا ذرة من نوره على جبل فخر صاعقا. ويقال أيضا إنها صرخت في إحدى مرات حجها: {لا أريد الكعبة فماذا أفعل بها؟'، ولم تعن بذلك إعراضاً عن الكعبة أو إنكاراً لها، لكنها كانت تطمع في المزيد، وهو الاتصال مباشرة برب الكعبة، وخالق كل من يطوفون حولها، خاشعين متضرعين إليه.
وعلى رغم أن الكثير مما ينسب إلى رابعة من أقوال وأفعال لا يزال في حاجة إلى تدقيق وتحقق، فإن هذه الشخصية المذهلة صورت جانباً لا يمكن لأحد نكرانه من تجربة المتصوفة المسلمين الروحية، يتعلق بإمكان أن تزهد المرأة وتهجر لذّات الدنيا، ويكون لها في عالم الصوفية {أسطورة} تتناقلها الأجيال، وتجذب صناع السينما العربية فيقدمون عنها فيلماً لا يزال قادراً على أخذ الناس إلى هذه التجربة الفريدة، كلما عرض في المناسبات الدينية. وتبقى رابعة هي الأشهر من بين النساء القانتات العابدات، اللاتي يحفل بهن تاريخ التصوف الإسلامي مثل آمنة بنت موسى الكاظم، وآمنة الرملية، وأم أحمد القابلة المصرية، وأم الربيع الزبيدي، وأم سطل، وخديجة بنت الحافظ جمال الدين البكري، ورابعة بنت إسماعيل، وزهراء الوالهة، وست الملوك، وعائشة بنت عثمان النيسابوري، وفاطمة النيسابورية، وفاطمة العيناء، وفاطمة بنت المثنى، وفاطمة بنت عباس، وفخرية بنت عثمان، ومريم بنت عبد الله، وميمونة السوداء، وغيرهن.
ويكفي لرابعة تلك الشهادة التي قالها فيها أبو سفيان الثوري، وهو من المحدثين والفقهاء الورعين، إذ قابلها يوماً وهي زرية الحال، فقال لها: أرى حالاً رثة، فلو أتيت فلاناً جارك لغير بعض ما أرى.
فقالت له: {يا سفيان، وما ترى من سوء حالي؟ ألست على الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه، والغنى الذي لا فقر معه، والأنس الذي لا وحشة معه. والله إني لأستحي أن أسأل الدنيا ممن يملكها، فكيف أسالها ممن لا يملكها}.
فقام سفيان وهو يقول: ما سمعت مثل هذا الكلام.
| |
|
رجب العميشي مشرف
عدد المساهمات : 950 تاريخ التسجيل : 22/11/2009 العمر : 50 الموقع : الاستاذ رجب ابو الدهبhttp://ragab2010.yoo7.com
| موضوع: رد: شهيدة العشق الالهى رابعة العدوية الجمعة مايو 07, 2010 5:49 pm | |
| | |
|