خامساً: آية الصوم من سورة الأحزاب:
قال تعالى: {إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْقَـٰنِتِينَ وَٱلْقَـٰنِتَـٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلصَّـٰدِقَـٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰبِرٰتِ وَٱلْخَـٰشِعِينَ وَٱلْخَـٰشِعَـٰتِ وَٱلْمُتَصَدّقِينَ وَٱلْمُتَصَدّقَـٰتِ وٱلصَّـٰئِمِينَ وٱلصَّـٰئِمَـٰتِ وَٱلْحَـٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَـٰفِـظَـٰتِ وَٱلذٰكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذٰكِرٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35].
أسباب النزول:
1- عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، ما لنا لا نُذكر في القرآن كما يُذكر الرجال؟! قالت: فلم يرعني منه يوماً إلا ونداؤه على المنبر: ((يا أيها الناس))، قالت: وأنا أسرح رأسي فلففت شعري ثم دنوت من الباب فجعلت سمعي عند الجريد فسمعته يقول: ((إن الله عز وجل يقول: {إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ...})) هذه الآية([1]).
وفي رواية قالت: يا رسول الله، يذكر الرجال ولا يذكر النساء! فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ}([2]).
2- عن أم عمارة الأنصارية رضي الله عنها أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت هذه الآية: {إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ}([3]).
المفردات:
{َٱلْقَـٰنِتِينَ}: القانت هو العابد المطيع([4]).
{َٱلْخَـٰشِعِينَ وَٱلْخَـٰشِعَـٰتِ}: الخائفين والخائفات([5]).
{َٱلْحَـٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ}: أي الحافظين فروجهم عن المحارم والمآثم إلا عن المباح([6]).
{َٱلذٰكِـرِينَ ٱللَّهَ}: أي بالألسنة والقلوب([7]).
المعنى الإجمالي:
نزلت هذه الآية الكريمة لما تساءلت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقلن له: ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟! فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة.
تسامت همّة أولئك النسوة باللحاق بالرجال في الأجر والمثوبة، فأنزل الله هذه الآية تطييباً لنفوسهن التوّاقة للمنازل الرفيعة، فيقول: إن المسلمين والمسلمات الذين انقادوا لله ظاهراً وباطناً، والمؤمنين المصدقين بالله رباً وإلهاً، وبالنبي محمد نبياً ورسولاً، وبالإسلام ديناً وشرعاً والمصدقات، والقانتين المطيعين لربهم والقانتات، والصادقين في أقوالهم وأعمالهم والصادقات، والصابرين الحابسين نفوسهم على الطاعات وعن المحرمات وعلى البلاء والصابرات، والخاشعين المتذللين الخائفين من ربهم والخاشعات، والمتصدقين المؤدّين للزكاة والصدقة والمتصدقات، والصائمين الفرائض والنوافل والصائمات، والحافظين فروجهم عن الفواحش والمحرمات والحافظات، والذاكرين الله تعالى في خلوتهم وجولتهم في الليل والنهار والذاكرات. أولئك جميعاً أعدّ الله تعالى لهم مغفرة عظيمةً للذنوب، وأجراً جزيلاً على أعمالهم وطاعاتهم، وأعظم الجزاء الفوز بجنات الخلد عند مليكٍ مقتدر([8]).
نصوص ذات صلة:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم))([9]).
2- عن معاذ بن أنس الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً سأله فقال: أي الجهاد أعظم أجراً؟ قال: ((أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكراً))، قال: فأي الصائمين أعظم أجراً؟ قال: ((أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكراً))، ثم ذكر لنا الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكراً))، فقال أبو بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه: يا أبا حفص، ذهب الذاكرون بكل خيرٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أجل))([10]).
الفوائـد:
1- الصائمون والصائمات في الآية قيل: في الفرض فقط، وقيل: في الفرض والنفل([11]).
2- الصوم أكبر عونٍ للإنسان على كسر الشهوة كما قال صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء))([12]).
3- قال مجاهد: "لا يكون ذاكراً لله تعالى كثيراً حتى يذكره قائماً وجالساً ومضطجعاً"([13]).