قال -
تعالى -:{ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على
الذين من قبلكم لعلكم تتقون. أياماً معدودات، فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة
من أيام أخر، وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن
تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون. شهر رمضان الذين أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات
من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من
أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على
ما هداكم ولعلكم تشكرون. وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان
فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} [البقرة/183/186].
بنزول
هذا النص القرآني فرض الله - سبحانه وتعالى- على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -
صيام شهر رمضان، الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
إن المقصد الأساسي من أداء هذه الشعيرة العظيمة هو التزود بتقوى الله - جل وعلا -
{لعلكم تتقون}.
إضافة
إلى تحقيق هذا المقصد العظيم فقد وردت أحاديث عدة في سنة المصطفى محمد - صلى الله
عليه وسلم - تبين فضل الصيام والثواب الذي أعده الملك الديان للصائمين القائمين
نذكر منها:
- ما
رواه البخاري في صحيحه عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء بن أبي صالح الزيَّات أنه سمع
أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -:
قال الله: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به
والصيام جنة وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابَّه أحد أو قاتله
فليقل إني امرؤ صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح
المسك للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه".
- عن
سهل - رضي الله عنه - عن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة باب يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا
يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا
أغلق فلم يدخل منه أحد" رواه البخاري واللفظ له وكذلك مسلم.
فالبدار
البدار أيها الأخ الكريم إلى اغتنام أوقات هذا الشهر الكريم بتلاوة القرآن، والقيام
والإنفاق في سبيل الله والاعتكاف - إن أمكن ذلك. فقد وردت نصوص من المصطفى محمد -
صلى الله عليه وسلم - تخص هذه الأعمال بالذكر، منها ما رواه البخاري في صحيحه عن
أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ومن
صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". وليلة القدر هي التي
أنزل فيها القرآن العظيم: { إنا أنزلناه في ليلة
القدر}. وهي خير من ألف شهر كما ذكر الله ذلك في كتابه الحكيم. ومن الأحاديث
-كذلك – ما رواه البخاري في صحيحه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس -
رضي الله عنهما - قال: كان النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير
وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل - عليه السلام - يلقاه في
كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يَعْرِضُ عليه النبي القرآن فإذا لقيه جبريل - عليه
السلام - كان أجود بالخير من الريح المرسلة".
وعن
عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - يجاور في
العشر الأواخر من رمضان، ويقول: تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان« متفق
عليه. وعنها أيضاً قالت: كان النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر شد
مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله" متفق عليه.
وإياك
أخي الكريم أن تعتقد أن الصيام هو مجرد الكف عن الطعام والشراب والجماع، فإن اللغط
والخوض في الباطل قد يؤدي بك أن تنال من صومك الجوع والعطش ليس إلا. فعن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه
وشرابه" رواه البخاري.
فعليك
أيها الصائم أن تستعين بالله وأن تتذكر قول المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم - في
الحديث المتفق على صحته: "إذا دخل رمضان صُفدت الشياطين، وفتحت
أبواب الجنة وغُلقت أبواب النار".
فالله
نسأل أن يوفقنا جميعاً إلى صيام وقيام هذا الشهر العظيم، على الوجه الذي يؤهلنا أن
نكون من المغفورين لهم، كما نسأله جلا وعلا أن يجعل من هذا الشهر فاتحة عهد للتخفيف
من هذه الأنات التي يتعرض لها المسلمون في شتى أصقاع المعمورة، آمين