التنظيم الصوفي
ظل التصوف طوال القرون الأولى مجرد تجربة ذاتية روحانية، لا يربط بين أتباعها رابط ولا يجمعهم تنظيم، لكن الوضع لم يستمر طويلاً فقد مال هؤلاء الأفراد إلى الاتصال ببعضهم لمراجعة تجاربهم الروحية المشتركة والاستفادة من بعضهم البعض، فتجمع الشباب في حلقات حول كبار الصوفية يطلبون التوجيه والمعرفة مشكلين نواة الزمر الصوفية الأولى، وباختلاف المشايخ نسبياً حدث التمايز بين هذه الجماعات وأضحى لكل شيخ لفيف من الأتباع والمريدين يتبعون تعاليمه وينتمون إليه.
وقد دأب أتباع الصوفية في أول عهدهم على تنظيم اجتماعاتهم في دور المشايخ أو في المساجد، لكن ما إن دخل القرن الرابع الهجري حتى باتت لهم مبانٍ خاصة يقطنها أفراد الجماعة الصوفية ويحل بها الغرباء وعابرو السبيل فيجدون فيها الإيواء والطعام، وعرفت هذه الدور بالتكية أو الزاوية أو الرباط أو الخانقاه وهي في العادة وقف أوقفه حاكم أو ثري عبارة عن أرض وضياع ملحقة بالدور الصوفية وينفق من ريعها على المتصوفة. وأول تنظيم رئاسي للصوفية يرجع إلى عصر صلاح الدين الأيوبي الذي أنشأ {دويرة الصوفية} لإقامة المريدين الوافدين إلى مصر وأطلق على شيخ هذه الدويرة لقب شيخ الشيوخ فكان له تقدم على ما عداه من المشايخ.
والتنظيم الصوفي ينقسم إلى قسمين، روحي وإداري. فمن الناحية الروحية يضع المتصوفة هيكلاً هرمياً يقولون إنه يقود العالم بتفويض من الله تعالى كالأبدال والأوتاد والأقطاب والنجباء والنقباء... وهذه الدرجات ذات طابع صارم ولا يرتقي المتصوف من مرتبة إلى أخرى إلا عبر مجاهدات روحية عدة، إذ يجب أن يتحلى بصفات كثيرة تؤهله إلى الترقي داخل السلم الروحي الصوفي، من بينها الوفاء وخدمة {الإخوان} والتعاون معهم والبر بالوالدين وصلة الرحم وإكرام الضيف والجار وفعل الخير والابتعاد عن الشر إرضاء لله تعالى، فإذا ما فعل ذلك يصل المتصوف إلى درجة النقيب / السالك الذي عليه أن يحترم علماء الصوفية ومشايخها ويقدر إخوانه ويتعاون معهم ويظن في نفسه أنه أقل مرتبة من زملائه، وأن يشعر دوماً بالتقصير في حق الله وإخوانه، وأن يكون مطيعاً وغير مغرور فإذا استطاع أن يجمع في شخصيته هذه الصفات ترقى إلى درجة النجيب / الواصل الذي عليه مهام عدة يجب أن ينهض بها مثل عدم التعرض لأصحاب المذاهب المختلفة مناقشة أو تعاملاً يؤدي إلى الاشتباك بالقول أو الفعل وأن يحافظ على وحدة المجالس الصوفية ويحفظ أسرارها، ويبتعد عن التدخل في شؤون الآخرين أو التجسس عليهم، ويحدد لنفسه عملاً خاصاً في مجالس العلم، ويتعامل مع الآخرين بحسب قدراتهم العقلية والعلمية والروحية.
ويضع البعض ترتيباً آخر متشابهاً مع الترتيب الروحي السابق وينقسم إلى قسمين: الأول يتعلق بمرحلة السعي إلى القبول داخل السلك الصوفي، وتبدأ بالمريد وهو طالب الانتساب إلى المتصوفة، فإذا أكمل تدريبه صار {سالكاً} ثم {مجذوباً} وهو الذي جذبه الطريق الصوفي فملك جوارحه كافة، ثم {المتدارك} وهو الذي تخلت نفسه عن زخارف الدنيا وغرورها ووجد الرضا والقناعة في الحرمان.
أما الثاني فيتعلق بالمقبولين داخل الطريقة الصوفية، ويسمى {المبتدئ}، ثم يصبح {المتدرج} أي الذي يمارس الرياضة، ثم {القطب} وهو المرجع الأعلى والأخير في النظام الصوفي. أما التنظيم الإداري فتعرفه الطريقة الصوفية، ويبدأ بشيخ الطريقة ثم خلفاء خلفائه، فخلفائه، وأخيراً المريدين.