لغة الصوفية
للصوفية لغة ذات طبيعة خاصة، لأنها تعتمد على الرمزية في التعبير، فعباراتها تحمل معانٍ لا يُدرك الكثير منها إلا بالتحليل والتعمق في التأويل، وتبدو غالباً بعيدة على العامة في فهمها وهضمها، وقد استطاع القاموس الصوفي أن ينحت لغة شديدة الخصوصية تشير إلى الأفكار والأحوال الصوفية في تميز واضح عن اللغة الدينية الأخرى مثل لغة الفقه. وقد جمع الكاشاني (730هـ) هذه المفردات في كتاب أطلق عليه {معجم اصطلاحات الصوفية}، وقبله أورد القشيري في رسالته الشهيرة الكثير من هذه كلمات مثل: الوقت والمقام والحال، القبض والبسط، الهيبة والأنس، التواجد والوجد والوجود، الجمع والفرق وجمع الجمع، الفناء والبقاء، الغيبة والحضور، الصحو والسكر، الذوق والشرب، المحو والإثبات، الستر والتجلي، المحاضرة والمكاشفة والمشاهدة، اللوائح والطوالع واللوامع، البواده والهجوم، التلوين والتمكين، القريب والبعيد، الشريعة والحقيقة، النفيس والخاطر، علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، الوارد والشاهد، الروح والسر...
وما تقدم يؤكد أن اللغة الصوفية تنطبق عليها خصائص لغة الشعر التي تتجه إلى مخاطبة الوجدان والعواطف لا الإدراك والتفكير، وغرضها الأساسي الإيحاء بالحقائق والأحاسيس لا شرح القضايا وتقريبها إلى الأذهان، فهي لغة غامضة تتعمد الإبهام ويسيطر عليها الخيال وتكثر في عباراتها التشبيهات واستخدام الكلمات في غير موضعها عن طريق الكتابة والمجاز وهي لغة تنفر من التحليل والبرهنة وتكره التعمق في الشرح والاستدلال.
وخصوصية اللغة الصوفية وغموضها زادا من بعد المسافة بين المتصوفة والفقهاء من جهة وبينهم والتقدميين المؤمنين بالمنهج العلمي في التفكير من جهة أخرى وزكت صراع هاتين الجبهتين ضد المتصوفة، فالفقهاء يرون أن لغة المتصوفة تحمل بعض الشطط عن الشريعة الإسلامية تحت دعوى تقديم الحقيقة عليها والعلماء يرون أنها لغة تعبر عن حدس لا يمكن قياسه أو إخضاعه للبرهان العلمي.