الحمدُ للهِ ذِى الجَلالِ و الإكرام لا إله إلا هُوَ .. لا يَعلمُ ما
هُوَ ، و لا كَيف هُوَ ، و لا أين هُوَ ، و لا حَيث هُوَ ؛ إلاَّ هُوَ ..
ذِى المُلكِ والمَلكوت .. ذِى العزِّ والجَبروت .. التَّواب الوَهَّاب..
مُسَبِّب الأسباب و فاتح الأبواب .. مَنْ إذا دُعِىَ أجاب .. مَنْ لا تَحويهِ
الفِكَرْ .. و لا يُدركهُ البَصَر .. و لا يَخفَى عليهِ أَثَر .. رازقُ البَشَر ..
و مُقَدِّرُ كَلّ قَدَرْ .. و لِمَنْ عَصَى غَفَر ..
و الصلاةُ و السلامُ على سَيدنا مُحمدٍ صَلاةً نَشربُ مِن حانِ مَعانيها
شَرابَ مَحبَّتِه .. و نَتَتوَّج مِن تَحقُّقِها بِتاجِ مَعرفتِه .. حتى نَتَحلَّى
باتباعِ سُنَّتهِ .. و نَتَملَّى بِمُشاهدةِ حَضرَتِه .. و على آلهِ الطيبين
الطاهرين .. و صَحابته الهادين المَهْديين .. و رَضِىَ الله تَباركَ و تَعالى عن
أئمتنا و مُرشِدينا ..و نَضَّرَ الله وُجُوهَكُم .
لما تَعلَّقت إرادة الحَقِّ تعالى بإيجاد خَلقهِ ؛ أبرزَ الحقيقةَ
المُحمدية من أنوارهِ ثم سَلَخَ منها العوالم كُلّها ، عِلْوِها و سُفْلِها ، ثم
أعْلَمهُ بِنُبوتِه ، و آدم لَم يَكُن إلاَّ كما قال ( ص ) بين الروح و الجسد .. ثم
انْبَلَجَت منهُ (ص) عيون الأرواح ، فَهو الجنسُ العالى على جَميع الأجناس ، و
الأبُ الأكبر لجميع المَوجودات .
و عن " مَيسرة الضَبِّى " قال : قُلت يا رسول الله ، مَتى كُنت نَبياً
؟؟
فقال ( ص ) : و آدم بين الروح و الجسد .
وعن سُهيل بن صالح الهَمدانى قال: سألتُ أبا جَعفر مُحمد الباقر بن علىّ
زين العابدين (ع) : كيفَ صارَ مُحمد (ص) يَتَقدَّم الأنبياء و هو آخر من بُعِثْ
؟؟
فقال : إنَّ اللهَ تَعالى لَمَّا أخذَ من بَنى آدمَ مِن ظُهورهم
ذُرياتهم و أشهَدهُم على أنفُسهم " ألَستُ بِرَبِّكُم " كان مُحمد ( ص ) أولَ مَن
قال : " بَلَى " ، و لذلك صارَ يَتقدَّم الأنبياء و هو آخرُ مَن بُعِثْ .
و عن الشيخ تَقىّ الدين السُبكى : أنه قد جاءَ أن الله تعالى خلقَ
الأرواح قبل الأجساد .. فالإشارة بقوله ( ص ) كُنتُ نبياً إلى رُوحهِ الشَّريفة ،
أو إلى حَقيقتهِ ، و الحقائق تَقْصِرُ عُقولنا عن مَعرفتها ، و إنَّما يَعلمُها
خالِقها و مَن أمَدَّهُ الله تعالى بنورِ النَّبى ..
فحقيقة النَّبى ( ص ) قد أتاها الله وَصْفَ النّبوة مِن قَبل خَلق آدم ،
إذ خَلَقها مُهيئة لذلك ، و أفاضهُ عليها من ذلك الوقت ، فصارَ نَبياً و كَتبَ
إسمهُ على العَرش ، و أخبرَ عنهُ بالرسالة لِيُعْلِمَ ملائكتَهُ و غَيرهم كرامَتَهُ
عِندَه ، فحقيقةُ وُجودهِ من ذلك الوقت ، و إنْ تأخرَ جَسدَهُ الشَّريف المُتَّصِف
بها .
و قِيلَ أنَّ الله تَعالى لَمَّا خَلَقَ نُور نَبيَّنا مُحمد ( ص )
أمَرهُ أن يَنظُر إلى أنوار الأنبياء ( ع ) فَغَشِيَهُم منهُ ما أنْطَقهُم الله بهِ
.. فقالوا : يا رَبَّنا ، مَنْ غَشِيَنا نُوره ؟؟ فقال الله تعالى : هذا نُورُ
مُحمد بن عبد الله ، إنْ آمَنتُم بهِ جَعلتكُم أنبياء .. فقالوا : آمَنَّا بهِ و
بِنُبوتِه .. فقال الله تعالى : أشْهَدُ عَليكُم .. فقالوا : نَعم .. فذلك قوله
تعالى (( وَ إذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيينَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِن كِتابٍ و
حِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنَنَّ بِهِ وَ
لَتَنْصُرُنَّهُ ، قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِى ،
قَالُوا أَقْرَرْنَا ، قالَ فَاشْهَدُوا و أنَا مَعَكُم مِنَ الشَّاهِدِين ))
.. { آل عمران .. آية 81 }
قال الشيخ تَقى الدين السُبكى فى هذه الآية الشريفة مِنَ التَّنويه
بالنَّبى ( ص ) و تَعظيم قَدرِهِ العَلىّ ما لا يَخْفَى ، و فيها مع ذلك أنَّهُ على
تَقدير مَجيئهِ فى زَمانهم يكون مُرسلاً إليهم فتكون نُبوته و رِسالته عامة لجميع
الخَلق مِن زَمنِ آدم إلى يوم القيامة ، و تكون الأنبياء و أُمَمِهم كُلّهم مِن
أُمَّتهِ ..
و يكون قَوله ( ص ) : (( بُعِثتُ إلى النَّاسِ كافَّة )) .. لا يَختصُّ
به الناس من
زمانهِ إلى يَوم القيامة ، بَلْ يَتناول مَنْ قَبلهم أيضاً ..
و يَتبين بهذا مَعنى قوله ( ص ) : (( كُنتُ نَبياً و آدمَ بين الروح و
الجسد )) .
و يُرْوَى أنَّهُ لَمَّا خَلق الله تعالى آدم ( ع ) ألْهَمهُ أن قال :
يا رب ، لِمَ كَنَّيْتَنِى أبا مُحمد ؟؟ فقال الله تعالى : يا آدم ارفع رَأسك ..
فَرَفعَ رأسهُ فرأى نُور مُحمد ( ص ) فى سُرادق العَرش .. فقال : يا رب ، ما هذا
النور ؟؟ فقال تعالى : هذا نُور نَبىّ مِن ذُريتكَ اسمهُ فى السماء أحمد و فى الأرض
مُحمد ، لَولاهُ ما خَلقتُكَ و لا خَلقتُ سماءً و لا أرضاً .
و رَوَى عبد الرزاق بِسَندهِ عن جابر بن عبد الله قال : قُلتُ يا رَسول
الله ، بأبى أنتَ و أُمى أَخبِرنى عن أولَ شَىءٍ خَلَقهُ الله تَعالى قَبلَ الأشياء
؟؟
فقال ( ص ) : يا جابر ، إنَّ اللهَ تَعالى خَلقَ قَبلَ الأشياء نُورَ
نَبيِّكَ مِن نُورهِ فَجَعلَ ذلك النُّور يَدورُ بالقُدرة حَيثُ شاءَ الله تَعالى ،
و لَمْ يَكُن فى ذلك الوقت لَوْحٌ و لا قَلَم ، و لا جَنَّةٌ و لا نَار ، و لا
مُلْكْ ، و لا سَماءٌ و لا أرضْ ، و لا شَمسٌ و لا قَمر ، و لا جِنِّىٌّ و لا
انْسِىّ ، فَلَمَّا أرادَ الله تَعالى أنْ يَخلق الخَلق قَسَّمَ ذلكَ النُّور .
و صلى الله على سيدنا مُحمدٍ النُّور الذَّاتى و السِّر السَّارى فى
سائرِ الأسْماءِ و الصِّفات و على آلهِ الطيبين الطاهرين و على صحابته الأوفياء
الراشدين ..
و الحمد لله رب العالمين