خروق في التربية الدعوية ( 1 )
يقول اللـه تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ
مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً
}الأحزاب72
ويقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ( إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال :
كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر
الساعة) رواه البخاري.
ويقول ـ صلاة ربي وسلامه عليه ـ : كما في الحديث مخاطباً أبا ذر عندما
طلبه ـ رضي الله عنه ـ أن يستعمله : ((يا أبا ذر ! إنك ضعيف، و إنها
أمانة، و إنها يوم القيامة خزي و ندامة، إلا من أخذها بحقها، و أدى الذي
عليه فيها)) “صحيح الجامع” وغير ذلك الكثير من النصوص التي في جملتها حث
على ترك طلب الإمارة، والبعد عنها إلا من أتته فإنه بإذن اللـه يعان عليها
، فقد صدره غيره بما يملكه من مقومات، ولم يُصَّدِر هو نفسه تقوى وورعاً
وبعداً عنها.
ولعل هذه النصوص تلفت انتباهنا إلى أمر هام جداً قد نكون غفلنا عنه، أو
تغافلناه، ألا وهو أمانة تربية الجيل، وأن الجميع مسئول عمن تحت يده أحفظ
أم ضيع ؟!
فهذا الذي ينام ملئ جفنيه، ويشعر بلذة يظنها لذة انتصار، وكل همه فتل العضلات، وفرض الآراء، وسحق المعارضين، يكون أدى الأمانة ؟!
أم ذاك ينام سويعات بعد أن كان ينام الساعات، ويكتفي بلقيمات بعد أن كان يتابع الوجبات، ويهتم ويغتم، ويذهب ويجيئ بينه وبين نفسه،
ويعمل ساعات وساعات، ويخطط ويدبر، ويستشير ويشير هو الذي أدى الأمانة ؟ لا شك أن الوصف أبلغ من التوصيف ـ إن صحت العبارة ـ.
يقول عمر ـ رضي الله عنه ـ : فوالله ما أستطيع أن أصلي، وما أستطيع أن
أرقد، وإني لأفتح السورة فما أدري في أولها أنا أو في آخرها … من همي
بالناس منذ جاءني هذا الخبر (يقصد خبر توليته أمر المسلمين).ولا فرق في
نظري بين فعل عمر ـ رضي الله عنه ـ، وفعل الصنف الآخر الآنف الذكر، وإن
كان في نظر بعضنا أن هناك فرقاً بين كلا المسئوليتين، إلا أنني أعتقد أن
الهم يجب أن يكون هو الهم، والله المستعان.
وجانب التفريط في تلك الأمانة يأخذ في واقعنا التربوي عدة صور، منها:
1. الحرص على الموسوعية الجوفاء التي يتضح أثرها على أبناء الجيل، دون التوجيه إلى الأكفئ والأفضل.
2. توجيه الجيل نحو ما يخدم سمعة المحضن، دون الأمانة والصدق في توجيه
الجيل إلى ما يناسب ميوله وأهدافه واهتماماته الصحيحة، ولذا أصبحنا نرى أن
هذا النوع بعد خروجه أو ابتعاده ينطبق عليه مقولة: الداخل موجود ، والخارج
مفقود ، ـ ونسأل اللـه الثبات ـ.
3. العمل الاجتهادي الصرف المبني على قاعدة ( ما على المحسنين من سبيل )، ولا شك أن فاقد الشيء لا يعطيه.
وهذه الصور وغيرها تجسد لنا صوراً من الإخلال بتلك الأمانة التي نتحملها ،
أو يتحملها بعضنا ، فلنراجع أنفسنا، ولنتهيئ قبل أن نُصَدَرـ إن كنا
مؤهلين لذلك ـ ، ونسأل اللـه أن ينفع بالجهود.