1- لست ابكي على نفسي إن ماتت ، إنما أبكي على حاجتي إن فاتت .
2- كيف أمتنع بالذنب من رجائك ، ولا أراك تمتنع للذنب من عطائك .
3- إلهي ، ذنبي إلى نفسي فأنا معناه ، وحبي لك هو لك فأنت معناه ، والحب
أعتقده لك طائعاً والذنب آتيه كارهاً ، فهب كراهة ذنبي لطواعية حبي إنك
أرحم الراحمين .
4- إلهي ، إن لم ترحمني رحمة الكرامة عليك ، فارحمني رحمة الإيقاع إليك .
إلهي ، بكرمك غداً أصل إليك ، كما بنعمتك دُلِلتُ اليوم عليك .
5- إن وضع عليهم عدله لم تبق لهم حسنة ، وإن أنالهم فضله لم تبق لهم سيئة .
6- مفاوز الدنيا تُقطع بالأقدام ، ومفاوز الآخرة تُقطع بالقلوب .
7- يا ابن آدم لا يزال دينك متمزقاً ما دام القلب بحجب الدنيا متعلقاً .
8- ما ركن إلى الدنيا أحد إلا لزمه عيب القلوب ، ولا ممكن الدنيا من نفسه أحد إلا وقع قفي بحر الذنوب .
9- ورأى يوماً رجلاً يقلع الجبل في يوم حار ، وهو يغني ، فقال : مسكين ابن آدم قلعُ ألأحجار أهون عليه من ترك الأوزار .
10- من لم يرض عن الله في الممنوع لم يسلم من الممنوع .
11- طلبوا الزهد في بطن الكتب ، وإنما هو في بطن التوكل لو كانوا يعلمون .
12- ونظر يوماً إلى إنسان وهو يقبّل ولداً له صغيراً فقال : أتحبه ؟ قال :
نعم ، قال : هذا حبك له إذ ولدته فكيف بحب الله له إذ خلقته ؟
13- سَبَحُوا في بحار البلايا حتى جاوزوها إلى العطايا ، ثم سبحوا في بحار العطايا حتى جاوزوها إلى رب البرايا .
14- من أشخص بقلبه إلى الله انفتحت ينابيع الحكمة في قلبه وجرت على لسانه .
15- قد غرق في بلائه وهو يريد أن ينجو من ربه بصفائه .
16- أنا في نصب المنابر وتعبية العساكر والناس لا يعلمون
17- الأبدان في سجن النيات ، والناس ثلاثة : رجل تشاغل بالدنيا عن الله
مذموماً ، ورجل تشاغل بالآخرة محموداً ، ورجل تشاغل بالله عما دونه مقرباً
مرفوعاً .
18- لا يفلح من شُمَت منه رائحة الرياسة .
19- جماع الأمر كله في شيئين : سيكون القلب على رزق هذه الناحية والاجتهاد في طلب رزق تلك الناحية .
20- إن لَقِيني القضاء بكيد ، لقيت القضاء بكيد من الدعاء .
21- لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقاتها بالذنوب .
22- اترك الدنيا قبل أن تُترك ، واسترض ربك قبل ملاقاته ، واعمر بيتك الذي تسكنه قبل انتقالك إليه - يعني القبر .
- إنما ينبسطون إليه على قدر منازلهم لديه .
23- من كان قلبه مع الحسنات لم تضره السيئات ، ومن كان مع السيئات لم تنفعه الحسنات .
24- لو رأت العقول بعيون الإيمان نزهة الجنة لذابت النفوس شوقاً ، ولو
أدركت القلوب كنه هذه المحبة لخالقها لانخلعت مفاصلها إليه ولهاً عليه ،
ولطارت الأرواح إليه من أبدانها دهشاً ، فسبحان من أغفل الخليقة عن كنه
هذه الأشياء وألهاهم بالوصف عن حقائق هذه الأشياء .
25- أعظم المصيبة على الحكيم في اليوم أن يمضي عنه لا يأتيه فيه هدية من ربه - يعني حكمه جديدة ..
26- الدنيا أميرُ من طلبها ، وخادمُ من تركها ، الدنيا طالبة ومطلوبة ،
فمن طلبها رفضته ، ومن رفضها طلبته ، الدنيا قنطرة الآخرة فاعبروها ولا
تعمروها ، ليس من العقل بنيان القصور على الجسور ، الدنيا عروس وطالبها ما
شِطتها ، وبالزهد يُنتف شعرها ، ويُسَود وجهها ، وتُمزق ثيابها . ومن طلق
الدنيا فالآخرة زوجته ، فالدنيا مطلقة الأكياس لا تنقضي عدتها أبداً ، فخل
الدنيا ولا تذكرها ، واذكر الآخرة ولا تنسها ،
27- خذ من الدنيا ما يبلغك الآخرة ، ولا تأخذ من الدنيا ما يمنعك الآخرة .
تمام المغفرة في ثلاث : حسن القبول ، وتقييد العلم ، وبذل الفضل ، وتفسير
حسن القبول أن تسمع بنية الاستفادة ، وتنظر الإرادة ، لا تهز رأسك عالم
بما تسمعه ، فهذا يدخله في الكبر ويفسد العمل .
28- عُدِم التواضع من فاته خصال : عِلمُه بما خُلق له ، وما خلق منه ، وما يعود إليه .
29- علامة من اتقى الله ثلاثة خصال : من آثر رضاه ، وقارن نقاه ، وخالف
هواه - يعني رضا الله على رضا نفسه ، وقارن تقاه ، وخالف هواه ..
من آثر رضاه : يعني رضا الله على رضا نفسه ، وقارن تقاه : يعني جعل التقى
قرينه فلا يزايله في حال عسره ويسره وسروره ورضاه وغضبه ، وخالف هواه :
يعني فيما يبعده عن الله وينقصه حظ الجزاء ..
30- لا تطلب العلم رياء ولا تتركه حياء .
31- إن أعرضت عنا بوجهك الكريم استعطفناك بقول : لا إله إلا الله .
32- التائب يبكيه ذنبه ، والزاهد تبكيه غربته ، والصديق يبكيه خوف زوال الإيمان .
33- فكرتك في الدنيا تلهيك عن ربك وعن دينك ، فكيف إذا باشرتها بجميع جوارحك .
34- اتق على جِراب إيمانك لا يقرضه الفأر .
35- إلهي ضَمن أعمالي غَنيمة عقباها ، وامنع نفسي لذاذة دنياها .
36- سبحان الله !! من يبيع الحبيبة بالبغيضة - يعني الدنيا - .
37- الجنة حبيبة المؤمن فكيف يبيعها منه بالبغيضة ؟
38- ربما رأيت أحدهم يقول : عشرين سنة أطلب ربي ، ويحك اطلب نفسك حتى تجدها ، فإذا وجدتها فقد وجدت ربك .
39- الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة وهو لا يسألك منها جناح بعوضة .
40- من الدنيا لا ندرك آمالنا ، وللآخرة لا تقدم أعمالنا ، وفي القيامة غداً لا تدري ما حالنا !!.
41- الناس ثلاثة : فرجل شغله معاده عن معاشه فتلك درجه الصالحين ، ورجل
شغله معاشه لمعاده فتلك درجة الفائزين ، ورجل شغله معاشه عن معاده فتلك
درجة الهالكين .
42- لا تسكن إلى نفسك وإن دعتك إلى الرغائب .
43- الدنيا بحر التلف والنجاة منها الزهد فيها .
44- يا جهول يا غفول ، لو سمعت صرير القلم حين يجري في اللوح المحفوظ بذكرك لَمت طرباً .
45- استشعرت الفقر فاتهمتَه ، ووثقتَ بعبد مثلك فقير فائتمنتَه ، ثم صرخ
وقال : واسوءتاه منك إذا شاهدتني وهمتي تسبق إلى سواك ، أم كيف لا أضنى في
طلب رضاك . قلب المحب يهم بالطيران ، وتَكمُله لدغات الشوق والخفقان ..
إلهي ، إن كانت ذنوب عظمت في جنب نهيك فإنها قد صغرت في جنب عفوك .. إلهي
، لا أقول لا أعود لما أعرف من خلقي وضعفي .. إلهي إنك إن أحببتني غفرت
سيئاتي ، وإن مقتني لم تقبل حسناتي ثم قال : أواه قبل استحقاق قول أواه .
46- لو سمع الخلق صوت النياحة على الدنيا في الغيب من ألسنة الفناء
لتساقطت القلوب منهم حزناً ، ولو سمعت الخليقة دمدمة النار على الخليفة
لتصدعت القلوب فرقاً .
47- لا تجعل الزهد حرفتك لتكتسب بها الدنيا ، ولكن اجعلها عبادتك لتنال
بها الآخرة ، وإذا شكرك أبناء الدنيا ومدحوك فاصرف أمرهم على الخرافات
.ترى الخلق متعلقين بالأسباب ، والعارف متعلق بولي الأسباب ، إنما حديثه
عن عظمة الله وقدرته وكرمه ورحمته ، يحترف بهذا دهره ويدخل به قبره.
48- من كانت الحياة قيده كان طلاقه منها موته .
49- الدنيا لا قدر لها عند ربها وهي له ، فما ينبغي أن يكون قدرها عندك وليست لك .
50- وسئل عن الوسوسة فقال : إن كانت الدنيا سجنك كان جسدك لها سجناً ، وإن أنت الدنيا روضتك كان جسدك لها بستاناً .
51- وقيل له : كيف يتعبد الرجل من غير بضاعة تعينه على العبادة ؟ قال :
أولئك بضاعتهم مولاهم ، وزادهم تقواهم ، وشغلهم ذكراهم ، ومن اهتم بعشائه
لم يتهن بغدائه
52- من أراد تسكين قلبه بشيء دون مولاه لم يزد استكثاره من ذلك إلا اضطراباً
53- لو لم يكن للعارفين إلا هاتان النعمتان لكفاهم مِنة : متى رجعوا إليه وجدوه ، ومتى ما شاءوا ذكروه.
54- من صفة العارف جسم ناعم ، وقلب هائم ، وشوق دائم ، وذكر لازم .
55- عبادة المعارف في ثلاثة أشياء : معاشرة الخلق بالجميل ، إدامة الذكر للجليل ، وصحة جسمٍ بين جنبيه قلب عليل .
56- سبحان من طيب الدنيا للعارفين بمعرفته ، وسبحان من طيب لهم الآخرة
بمغفرته ، فتلذذوا أيام الحياة بالذكر في مجالس معرفته ، وغداً يتذللون في
رياض القدس بشراب مغفرته ، فلهم الدنيا زرعُ ذِكِر ، ولهم في الآخرة ربيع
بِر ، ساروا على المطايا من شكره حتى وصلوا إلى العطايا من ذُخرِه ، فإنه
ملك كريم .
57- العارف قد يشتغل بربه عن مفاخرة الأشكال ومجالس العطايا ، وعن منازعة الأضداد في مجالس البلايا .
58- أوثق الرجاء رجاء العبد ربه ، وأصدق الظنون حسن الظن بالله .
59- طوبى لعبد أصبحت العبادة حرفته ، والفقر مُنيته ، والعزلة شهوته ،
والآخرة هِمته ، وطلب العيش بُلغَتُه ، وجعل الموت فكرته ، وشغل بالزهد
نيته ، وأمات بالذل عزته ، وجعل إلى الرب حاجته ، يذكر في الخلوات خطيئته
، وأرسل على الوجنة عبرته ، وشكا إلى الله غربته ، وسأله بالتوبة رحمته .
طوبى لمن كان ذلك صفته ، وعلى الذنوب ندامته . جأر الليل والنهار ، وبكاء
إلى الله بالأسحار ، يناجي الرحمن ، ويطلب الجنان ، ويخاف النيران .
60- الكيس من فيه ثلاث خصال : من بادر بعلمه وتسوف بأمله ، واستعد لأجله .
61- المغبون يوم القيامة من فيه ثلاث خصال : من قرض أيامه بالبطالات ، وبسط جوارحه على الحسرات ، ومات قبل إفاقته من السكرات .
62- ليس ما أتى به الذنب عصياناً أكثر مما أتى به من التوحيد إيماناً .
63- إن العبد على قدر حبه لمولاه يُحببه إلى خلقه ، وعلى قدر توقيره لأمره
يوقره خلقه ، وعلى قدر التشاغل منه بأمره يشغل به خلقه ، وعلى قدر سكون
قلبه على وعده يطيب له عيشه ، وعلى قدر إدامته لطاعته يحليها في صدره ،
وعلى قدر لهجته بذكره يديم ألطاف بره وعلى قدر استيحاشه من خلقه يؤنسه
بعطائه ، فلو لم يكن لابن آدم الثواب على عمله إلا ما عجل له في دنياه
لكان كثيراً سوى ما يريد أن يصير إليه من جزيل جزائه وعظيم عطائه ما لا
يحيط به إحصاء ، ولا تبلغه مُنى ، إذ كان يعطي على قدر ما هو أهله ، إنه
ملك كريم .
64- من سعادة المرء أن لا يكون لخصمه فهماً وخصمي لا فهم له قيل له : من
خصمك ؟ قال : خصمي نفسي لا فهم لها ، تبيع الجنة بما فيها من النعيم
المقيم والخلود فيها بشهوة ساعة في دار الدنيا .
65- لا تعرفه حتى تعمى عن الخلق .
66- يا بن آدم إنك لا تشتاق إلى ربك إلا بالاستيحاش من خلقه
67- للتائب فخر لا يعادله فخر في جميع أفخاره : فرح الله بتوبته .إذا
اصطفاهم لنفسه ، وأمكنهم من أنسه ، حجهم عن خلقه بالمعروف من رفقه . قيل
له وكيف يحجبهم ؟ قال : يحجبهم عن أبناء الدنيا بأستار الآخرة ، وعن أبناء
الآخرة بأستار الدنيا .
68- لو لم يُسكنهم ببِلواه لطارت بهم نُعماه ، ولم يصل إليه من لم يرض
بِقَسمِه ، ولم يعرفه من لم يتمتع بنعمة ، ولم يحبه من لم يَتِه في كرمة .
69- حين خاطروا بالنفوس اقتربوا ، وهذا طعم الخبر فكيف طعم النظر .
70- أفواه الرجال حوانيتها ، وشفتاها مغاليقها ، وأسنانها مخاليبها فإذا فتح الرجل باب حانوته تبين لك العطار من البيطار .
71- قد دعاك إلى دار السلام فانظر من أين تجيبه ؟ أمن الدنيا أم من قربك ؟
إنك إن أجبته من دنياك دخلتها ، وإن أجبته من قبرك منعتها .
72- إن الدرهم عقرب ، فإن لم تُحسن رُقيته فلا تأخذه بيدك ، فإنه إن لدغك قتلك.
73- الدنيا سُم الله القتال لعباده ، فخذوا منها حسب ما يؤخذ السم في الأدوية لعلكم تسلمون .
74- أولياؤه أسراءُ نعمته ، وأصفياؤه رهائن كرمه ، وأحباؤه عبيد مننه ،
فهم عبيد محبه لا يُعتقلون ، ورهائن كرم لا يفكون وأسرى نعم لا يطلقون .
75- أهل المعرفة وحش الله في الأرض لا يأنسون إلى أحد ، والزاهدون غرباء في الدنيا ، والعارضون غرباء في الآخرة .
76- ابن آدم ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الغوث ؟ وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت ؟
77- عجبت لمن يصبر عن ذكر الله وأعجب منه من صبر عليه كيف لا ينقطع ؟ ثم قال :
ندافع عيشنا بالجهد جهداً *** مدافعة إلى جهد المنايا
78- من صفة العارف خصلتان : ألا يذيع حاله لأحد ، ولا يفتش أحد عن حاله ،
ومن علامة المريد الرضا بالقضاء والثقة بالوعد ، والعمل بالإخلاص ، والشكر
على البلاء والتوبة من كل ذنب ، وامتحان الإرادات .
79- سبحان من جعل الأرواح روحانية نورانية ، والأنفاس نورانية ، والأنفس
جولانية ، فالأرواح تحن إلى عليين معادنها ، والأنفس تحن إلى سجين محبسها .
80- قوم على فرش من الذكر في مجلس من الشوق ، وبساتين من المناجاة ، بين
رياض الأطراب ، وقصور الهيبة ، وفناء مجال الأنس ، مُعانقو عرائس الحكمة
بصدور الأفهام ، يتعاطون بينهم كؤوس حُبِه تجري في الأكباد ، تديم عليهم
ذكر الحبيب ويبلبلهم معها هيمان الوجود .
81- القلوب كالقدور في الصدور في تغلي بما فيها ، ومغارفها ألسنتها ،
فانتظر الرجل حتى يتكلم ، فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه ، من بين حلو
وحامض وعذب وأجاج ، يخبرك عن طعم قلبه اغترافُ لسانه .
82- إنما صار الفقراء أسعد على الذكر من الأغنياء لأنهم في حبس الله ، ولو
أطلقوا من حصار الفقر لوجدت من ثبت منهم على الذكر قليلاً .
83- ألق حسن الظن على الخلق وسوء الظن على نفسك ، لتكون من الأول في سلامة ، ومن الآخر على الزيادة .
84- أبناء الدنيا يجدون لذة الكلام ، وأبناء الآخرة يجدون لذة المعاني .
85- الدرجات التي يسعى إليها أبناء الآخرة سبعة : التوبة ثم الزهد ثم
الرضا ثم الخوف ثم الشوق ثم المحبة ثم المعرفة ، فبالتوبة تطهروا من
الذنوب وبالزهد خرجوا من الدنيا ، وبالرضا ألبسوا حُلل العبودية ، وبالخوف
جاوزا قناطر النار ، وبالشوق إلى الجنة استوجبوها ، وبالمحبة عقلوا النعيم
، وبالمعرفة وصلوا إلى الله .
86- الدنيا خزانة الله ، فما الذي يُبغض منها وكل شيء من حجر أو مدر أو
شجر يسبح الله فيها ، قال تعالى : { وإن من شيء إلا يُسبح بِحمده } ، وقال
تعالى : { ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين } . فالمجيب له
بالطاعة لا يستحق أن يكون بغيضاً في قلوب المؤمنين ، ليعلم أن الذنب والذم
زائلان عنها إلى بني آدم لو كانوا يعلمون .
87- اعلموا أنه لا يصح الزهد والعبادة ولا شيء من أور الطاعة لرجل أبداً
وفيه للطمع بقية ، فإن أردتم الوصول إلى محض الزهد والعبادة فأخرجوا من
قلوبكم هذه الخصلة الواحدة ، وكونوا – رحمكم الله – من أبناء الآخرة ،
وتعاونوا واصبروا وأبشروا تظفروا إن شاء الله ، واعلموا أن ترك الدنيا هو
الربح نفسه الذي ليس بعده أمر أشد منه ، فإن ذبحتم لتركها نفوسكم
أحييتموها ، وغن أحييتم أنفسكم بأخذها قتلتموها ، فارفضوها من قلوبكم
تصيروا إلى الروح لراحة في الدنيا والآخرة ، وتصيبوا شرف الدنيا والآخرة ،
وعيش الدنيا والآخرة إن كنتم تعلمون .
88- عذبوا أنفسكم في طاعة الله بترك شهواتها قبل أن تلقي الشهوة منها
أجسامكم في ديار عاقبتها ، واعلموا أن القرآن قد ندبكم إلى وليمة الجنة ،
ودعاكم إليها ، فأسرع الناس إليها أتركُهم لدنياه ، وأوجدُكم لذة لطعم تلك
الوليمة : أشدهم تجويعاً لنفسه ، ومخالفة لها ، فإنه ليس أمر من أمور
الطاعة إلا وأنتم تحتاجون أن تخرجوه من بين ضدين مختلفين بجهد شديد ،
وسأظهر لكم هذا الأمر : فإني وجدت أمر الإنسان أمراً عجيباً ، قد خلاف ما
كُلِف سائر الخلق من أهل الأرض والسماء فأحسن النظر فيه ، وليكن العمل منك
فيه على حسب الحاجة منك إليه ، واستعن بالله فنعم المعين ، واعلم أنك لم
تسكن لتنعم فيها جاهلاً ، وعن الآخرة غافلاً ، ولكنك أسكنتها لتتعبد فيها
عاقلاً وتمتطي الأيام إلى ربك عاملاً ، فإنك بين دنيا وآخرة ، ولكل واحدة
منهما نعيم وفي وجود أحدهما يطول الآخر ، فانظر أن تحسن طلب النعيم ، فقد
حكي عن إبراهيم بن آدم أنه قال : غلط الملوك طلبوا النعيم فلم يحسنوا.
89- وعلى حسب اقتراب قلبك من الدنيا يكون بعدك من الله ، وعلى حسب بعد
قلبك من الدنيا يكون قربك من الله ، وكما كان معدوماً وجود نفسك في مكانين
فكذلك معدوم وجود قلبك في دارين ، فإن كنت ذا قلبين فدونك اجعل أحدهما
للدنيا وأحدهما للآخرة . وإن كنت ذا قلب واحد فاجعله لأولى الدارين
بالنعيم والمقام والبقاء والإنعام .
90- واعلم أن النفس والهوى لا تقهران بشيء أفضل من الصوم الدائم ( أي صوم
النفس عن الهوى ) وهو بساط العبادة ومفتاح الزهد ، وطلع ثمرات الخير ،
وأجساد العمال من شجراته دائم الجذاذ دائم الإطعام ، وهو الطريق إلى مرتبة
الصديقين ، وما دونه فمزرعة الأعمال ، فثمر غرسها وربيع بذرها في تركها ،
وفقدها في أخذها ، وليس معنى الترك لا لخروج من المال والأهل والولد ،
ولكن معنى الترك العمل بطاعة الله وإيثار ما عند الله عليها مأخوذة متروكة
، فهذا معنى الترك لا ما يدعيه المتصوفة الجاهلون .
91- أنت من الدنيا بين منزلتين فإن زويت عنك كفيت المؤنة وأن صرفت إليك
ألزمتها طاعة مولاك ، وإن كانت طاعتك لله في شأنها تصلحها ، ومعصيتك لله
في أمرها يفسدها ، فدع عنك لوم الدنيا واحفظ من نفسك وعملك ما فيه صلاحها
، فإن المطيع فيها محمود عند الله ، إنما تلزمه التهمة وعيب الأخذ لها إذا
خان الله فيها ، لأن الدنيا مال الله ، والخلق عباد الله ، وهم في ها
المال صنفان .
92- خونة وأمناء ، فإذا وقع المال في أيدي الخائنين فهو سبب دمارهم ، ولا
عتب على المال إنما العتب على فعلهم بالمال . وإذا وقع في أيدي الأمناء
كان سبب شرفهم وخلاصهم ، ولا معنى للمال إنما كسب لهم الشرف عند الله
فعلهم بالمال ، أدوا أمانة الله في أموالهم فلحق بهم نفع المال . لا ذنب
للمال الذنب لك ، الذنوب إنما تكتسب بالجوارح ، وليس للضيعة والحانوت
جوارح ، إنما الجوارح لك وبها تكتسب الذنوب ، فعلك بما لك أسقطك من عين
ربك لا مالك ، وفعلك بما لك يصحبك إلى قبرك لا مالك ، وفعلك بما لك يوزن
يوم القيامة لا مالك .
93- يا من أقام لي غرس ذكرى ، وأجري إلي أنهار نجوى ، وجعل لي أيام عيد في
اجتماع الورى ، وأقام لي فيهم أسواق تقوى ، أقلبت إليك معتمداً عليك ممتلئ
القلب من رجائك ورطب اللسان من دعائك ، في قلبي من الذنوب زفرات ، ومعي
عليها ندامات ، إن أعطيتني قبلت ، وإن منعتني رضيت ، وإن تركتني دعوت ،
وإن دعوتني أحببت ، فأعطني إلهي ما أريد فلئن لم تعطني ما أريد فصبرني على
ما تريد .
94- من أكثر ذكر الموت لم يمت قبل أجله ، ويدخل عليه ثلاث خصال من الخير :
أولها المبادرة إلى التوبة ، والثاني القناعة برزق يسير ، والثالث النشاط
في العبادة . ومن حرص على الدنيا فإنه يأكل فوق ما كتب الله له ، ويدخل
عليه من العيوب ثلاث خصال : أولها أن تراه أبداً غير شاكر لعطية الله له ،
والثاني لا يواسي بشيء مما قد أعطي من الدنيا ، والثالث يشتغل ويتعب في
طلب ما لم يرزقه الله حتى يفوته عمل الدين.
95- الصبر على الناس أشد من الصبر على النار .
96- تأبى القلوب للأسخياء إلا حباً وإن كانوا فجاراً وللبخلاء إلا بعضاً وإن كانوا أبراراً .
97- ليس على وجه الأرض أحد إلا وفيه فقر وحرص ، ولكن من أخلاق المؤمنين أن
يكونوا حرصاء على طلب الجنة قراء إلى ربهم ، والمنافق حريص على الدنيا
فقير إلى الخلق .
98- قال بعض الحكماء : من أصبح لم يكن معه هذه الخصال الثلاث لم يصب طريق
العزم : أولها كما أن الله لم يعط رزقك اليوم غيرك فلا تعمل لغيره ، وكما
أن الله لم يشارك فيما أعطاك أحد فلا تشارك في العمل الذي تعمل له - يعني
الرياء - وكما أن الله لم يكلفك اليوم عمل غد فلا تسأله رزق غد على جور
حتى إذا لم يعطك شكوته .
إذ لاحظت الأشياء منه كان لها طعم آخر
99- ليس بصادق من ادعى حبه ( أي حب الله تعالى ) ولم يحفظ حده .
سقوط رجل من درجةٍ : ادعاؤها .
100- إذا عملوا على الصدق انطلقت ألسنتهم على الخلق بالشدة ، وإذا عملوا
في التفويض انكسرت ألسنتهم عن الخلق مبهوتين ، الأول من صفة الزاهدين ،
والثاني من صفة العارفين .