توقف القلب وبقيت على
لسانها الشهادتان
أُدخلت إلى قسم الإسعاف امرأة في الخامسة والخمسين من
عمرها … وذلك إثر ذبحة صدرية شديدة … أدت إلى توقف قلبها …
اتصل بي الزملاء
… وطلبوا مني الإسراع لرؤيتها ، وكان ذلك في السابعة صباحاً تقريباً …
هرعت
إلى الإسعاف لعل الله أن يكتب لها الشفاء على يدي … فلما وصلت … وجدت أن الذبحة
الشديدة أدت إلى فصل كهرباء القلب عن القلب … فطلبت نقلها بسرعة إلى قسم قسطرة
القلب لعمل القسطرة وتوصيل الكهرباء لها …
وفي أثناء تدليك قلبها ومحاولة
إنعاشه ورغم أن الجهاز يشير إلى توقف قلبها إلا أنه حدث شئ غريب … لم أره ، ولم
أعهده من قبل !!!
أتدرون ما هو ؟! لقد انتبهت المرأة وفتحت عيناها …بل
تكلمت !!! لكن .. أتدرون ماذا قالت ؟! هل تظنون أنها صرخت ؟ هل اشتكت ؟! هل طلبت
المساعدة ؟! هل قالت إين زوجي وأولادي ؟!
هل نطقت بكلمة عن أمر من أمور
الدنيا ؟!
لا والله … بل كانت أول كلمة سمعتها منها كلمة التوحيد العظيمة .
أشهـد أن لا إله إلا الله .. وأشهـد أن محمداً عبده ورسوله ثم … ثم ماذا ؟!
ماذا تتوقعون ؟!
توقـف القلـب مرة أخـرى … وصاح الجهاز معلناً توقف قلبها …
فحاولت مرة أخرى بالتدليك وإنعاش القلب مرة ثانية …
وسبحان الله !!
تكرر الأمر مرة أخرى … فُتحت العينان … ونطق اللسان بالشهادتين
أشهد أن لا
إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله .
وهل تصدقون أن ذلك تكرر أمام ناظري
ثلاث مرات يتوقف القلب … ثم ينطق اللسان بالشهـادتيـن ولا أسمـع كلمة أخـرى … لا
أنين … ولا شكوى …ولا طلب دنيوي …
إنما فقط ذكر لله ونطق بالشهادتين !!
ثم بعد ذلك توفيت رحمها الله ورأيت أمراً عجباً …
لقد استنار وجهها
!!
نعم … صدقوني … والله الذي لا إله إلا هو لقد استنار وجهها … لقد رأيته
يُشع نوراً …
وهكذا كانت نهايتها …
قال أبو مصعب – عفا الله عنه –
وهذه من علامات حسن الخاتمة إن شاء الله … فإن الله جل وعلا يقول ) يثبت الله الذين
آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة( وهذا من تثبيت الله لها … أن
أنطقها بالشهادتين عند موتها وقد صح في الحديث عن أحمد وأبي داود عن معاذ قال ( من
كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة )15
ثم إن استنارة
وجهها … وإشراقته علامة أخرى أيضاً .
ففي حديث طلحة بن عبيدالله عند ما
زاره عمر وهو ثقيل وفيه ( إني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ما
منعني أن أسأله عنه إلا القدرة عليه حتى مات ، سمعته يقول : إني لأعلم كلمة لا
يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه ، ونفّس الله عنه كربته ، قال ، فقال عمر :
إني لا علم ما هي ! قال : وما هي ؟ قال : تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمّه عند
الموت : لا إله إلا الله ؟ قال طلحة ؟ صدقت هي والله هي )16 .
ومحل الشاهد
قوله أشرق لها لونه … وهذا ما شهد به الأخ خالد حفظه الله بعد نطقها مراراً
بالشهادتين … فهنيئاً لها ونسأل الله حسن الخاتمة .
ولكن !! هل انتهت القصة
عند هذا الحد ؟! الجواب لا يواصل محدثي الدكتور خالد :… فخرجت إلى زوجها معزياً
فوجدته رجلاً بسيـطا … متواضع الملبس … يظهر أنه فقير الحال … فواسيته وعزيته
وذكرتّه بالله ، فلم أر منه إلا التسليم والاسترجاع والرضى بما قدّر الله تعالى …
ورأيت في وجهه نور الإيمان والطاعة …
فقلت له : يا أخي الكريم لقدحصل من
زوجتك أمراً عجباً بل أمور تبشر بالخير والحمد لله ولكني أحب أن أسألك سؤالاً … كيف
كانت حياتها … وماذا كانت تصنع ؟!
قال وبكل بساطة وبدون تعقيد لقد تزوجتها
منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً … ومنذ تلك الفترة وطيلة حياتها معي لم أرها تترك
صلاة الوتر وقيام الليل في ليلة من الليالي إلا أن تكون مريضة أو معذورة !!
فقلت في نفسي … لمثل هذا فليعمل العاملون … نعم … قيام الليل وما أدراك ما
قيام الليل ؟!
إنه شرف المؤمن كما في حديث جبريل الصحيح وهو دأب الصالحين
قبلنا …
قال تعالى ( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم
يستغفرون ) الذاريات 17 – 18
إذا ما الليـل أقبـل كابدوه فيسفـر عنهـم وهم
ركوع
أطار الخوف نومهـم فقاموا وأهل الأمن في الدنيا هجوع
لهم تحت
الظلام وهم ركوع أنين منـه تنفرج الضلـوع
وصدق الله ( تتجافى جنوبهم عن
المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون.فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من
قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) السجدة 16/17 .
نسأل الله التوفيق لقيام
الليل وعمل الصالحات وحسن الختام .