تتعدد الآراء، وتتنوع الثقافات، وتتسع الأطر، وتختلف الرؤى، وينقسم الناس
بين مؤيد ومعارض، فاللـه خلق الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا وتتسع مداركهم
ورؤاهم المعرفية والثقافية … وهكذا ، مع بقاء كلٍ على حده محتفظاً بثقافته
وأهدافه التي تضم شخصيته وتفكيره وكيانه البشري عن الآخر، فهذه حقيقة
يدركها ويعي أبعادها الإنسان الناضح أيا كانت طبيعته.
إلا أن هذه النظرة قد تختلف في خضم عطاءنا التربوي الدعوي، فالمربي الثاقب
من يتصفح بين طلابه الخلف من بعده، من تتعدد مواهبه، وتتضح نجابته، ويبز
أقرانه، بحيث تكون التهيئة منذ البداية.
ومع ذلكم الدأب في العمل يغيب عن بعض هؤلاء فتح الآفاق لتلك الفئة من
المتربين بقصد، وغالباً دون قصد، فإن كان التجرد حاضراً كان توجيه المربي
للمتربي للغير من المربين من داخل المحضن أو خارجه، وحتى لا يكون النبع
واحد فقد يجف النبع، وحتى يدرك مجيء نور القمر، ولئلا يكون ذو مزاجية بل
داعية مربياً حقاً.
وأخشى ما أخشاه وقد نكون وقعنا فيه من حيث لا نشعر، أن نرى بعض المربين
يذكي حماس المتربي لنيل ما يمتلكه من ثقافات وعلوم متنوعة، مع غلق الباب
على الغير في أمور تربوية يسع فيها الرد.
وما أجمل قول الإمام أحمد – رحمه اللـه – إمام أهل السنة والجماعة حيث قال
لأحد طلابه: (( لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي،
والثوري، وخذ من حيث أخذوا )) فهل يقول قائل: هذا الإمام الذي كتب أربعين
ألف حديث ، ويحفظ أكثر لا يملك القدرة على إفادة طلابه وتلاميذه ؟ أو أن
ثقافته وعلومه قد جف نبعها ؟ لا ، ولكنه النبذ المطلق للتعصب المقيت، وبعد
نظر ليتنا ندركه في تربيتنا لأجيالنا القادمة.