قال السهيلي : واسم أم موسى أيارخا وقيل ، أياذخت المقصود أنها أرشدت إلى هذا الذي ذكرناه ، وألقى في خلدها وروعها ألا تخافي ولا تحزني ، فإنه إن ذهب فإن الله سيرده إليك ، وإن الله سيجعله نبياً مرسلاً ، يعلى كلمته في الدنيا والآخرة ، فكانت تصنع ما أمرت به فأرسلته ذات يوم وذهلت أن تربط طرف الحبل عندها فذهب مع النيل فمر على دار فرعون { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ } قال الله تعالى : { لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً }
قال بعضهم : هذه ( لام ) العاقبة ، وهو ظاهر إن كان متعلقاً بقوله : { فَالْتَقَطَهُ } وأما إن جعل متعلقاً بمضمون الكلام ، وهو أن آل فرعون قيضوا لالتقاطه ليكون لهم عدواً وحزناً ، وصارت اللام معللة كغيرها والله أعلم ويقوى هذا التقدير الثاني قوله : { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ } وهو الوزير السوء { وَجُنُودَهُمَا } التابعين لهما {كَانُوا خَاطِئِينَ} أي كانوا على خلاف الصواب ، فاستحقوا هذه العقوبة والحسرة .
وذكر المفسرون :أن الجواري التقطنة من البحر في تابوت مغلق عليه ، فلم يتجاسرن على فتحه ، حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون آسية ، فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب ، ورأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية والجلالة الموسوية ، فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حباً شديداً جداً فلما جاء فرعون قال : ما هذا ؟ وأمر بذبحه ، فاستوهبته منه ودفعت عنه وقالت : { قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ } فقال لها فرعون : أما لك فنعم وأما لي فلا ، أي لا حاجة لي به والبلاء موكل بالمنطق !
وقولها : { عَسَى أَن يَنفَعَنَا }
قد أنالها الله ما رجت من النفع أما في الدنيا فهداها الله به ، وأما في الآخرة فأسكنها جنته بسببه
{ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً }
وذلك أنهما تبنياه ، لأنه لم يكن يولد لهما ولد
قال الله تعالى : { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }
أي لا يدرون ماذا يريد الله بهم ، أن قيضهم لالتقاطه ، من النقمة العظيمة لفرعون وجنوده ؟
وقال الله تعالى : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{10} وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{11} وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ{12} فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{13} القصص
قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيدة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم :
{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً }
[]أي من كل شيء من أمور الدنيا إلا مكن موسى
[]{ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ]
[أي لتظهر أمره وتسأل عنه جهرة[/
لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ]
[أي صبرناها وثبتناها { لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
[]{ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ} وهي ابنتها الكبيرة : { قُصِّيهِ } أي اتبعي أثره ، واطلبي لي خبره { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ
[قال مجاهد : عن بعد
[]وقال قتادة : جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده ولهذا قال : { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } وذلك لأن موسى عليه السلام لما استقر بدار فرعون أرادوا أن يغذوه برضاعة فلم يقبل ثدياً ولا أخذ طعاماً ، فحاروا في أمره ، واجتهدوا على تغذيته بكل ممكن فلم يفعل ، كما قال تعالى : { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ } فأرسلوه مع القوابل والنساء إلى السوق ، لعلهم يجدون من يوافق رضاعته فبينما هم وقوف به والنساء إلى السوق عكوف عليه إذ بصرت به أخته ، فلم تظهر أنها تعرفه بل قالت : { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ
[قال ابن عباس : لما قالت ذلك ، قالوا لها : ما يدريك بنصحهم وشفقتهم عليه ؟ فقالت : رغبة في سرور الملك ورجاء منفعته
فأطلقوها وذهبوا معها إلى منزلهم ، فأخذته أمه ، فلما أرضعته التقم ثديها وأخذ يمتصه ويرتضعه ، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً ، وذهب البشير إلى آسية يعلمها بذلك ، فاستدعتها إلى منزلها وعرضت عليها أن تكون عندها ، وأن تحسن إليها فأبت عليها وقالت إن لي بعلاً وأولاداً ، ولست أقدر على هذا إلا أن ترسليه معي فأرسلته معها ، ورتبت لها رواتب ، وأجرت عليها النفقات والكساوى والهبات ، فرجعت به تحوزه إلى رحلها وقد جمع الله شمله بشملها
قال الله تعالى : { فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } أي كما وعدها برده ورسالته ، فهذا رده ، وهو دليل على صدق البشارة برسالته { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ