/معاذ بن عمرو بن الجموحمعاذ بن عمرو بن الجموح رضي الله عنهما، ومعوذ بن عفراء رضي الله عنهما:
وهذا الشابان الصغيران جداً كان لهما من الأثر ما لا يتخيله أحد أو يستوعبه، فالأول في الرابعة عشرة من عمره والثاني في الثالثة عشرة من عمره، ومع ذلك فهما يسارعان بالانضمام إلى جيش المسلمين المتجه إلى بدر، وعلى عكس زيد بن ثابت رضي الله عنه فإنه كان يبدو عليهما كبر السن نسبياً، وقوة الجسد مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلهما في الجيش المقاتل..
ومع كونهما في هذه السن الصغيرة لكن سبحان الله كان طموحهما أكبر بكثير من طموح كثير من الرجال أو الشيوخ!..
وأترك عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كما جاء في البخاري يصور لنا موقفاً عجيباً لهذين الشابين العملاقين حقاً!
يقول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه :
إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت، فإذا على يمني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهم..
وهما معاذ بن عمرو بن الجموح رضي الله عنهما، ومعوذ بن عفراء رضي الله عنهما..
فعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يتعجب من وجود هذين الغلامين الصغيرين في معركة خطيرة كبدر، ولم يشعر بالأمان لأنه لو هجم عليه أحد المشركين فلن يجد ـ في اعتقاده ـ مساندة أو مساعدة ممن حوله لصغر عمرهما..
ثم يكمل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فيقول متعجباً:
إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه: يا عم أرني أبا جهل
وكان هذا الذي تكلم هو معاذ بن عمرو بن الجموح رضي الله عنهما، وهو من الأنصار، فلم يكن قد رأى أبا جهل قبل ذلك، ولفت نظر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هذا السؤال عن قائد جيش المشركين، وجبار مكة، وفرعون هذه الأمة، فسأل الغلام الحدث: يا ابن أخي، فما تصنع به؟
فرد الغلام الصغير رداً أذهل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه!..
قال معاذ بن عمرو بن الجموح رضي الله عنهما: أُخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا!!
يا الله!!
كم هو خالد هذا الموقف!!
الغلام الصغير الذي يعيش في المدينة المنورة، سمع أن رجلاً يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة على بعد حوالي خمسمائة كيلومتر من بلده، فتحركت الحمية في قلبه، والغيرة على حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرر أن يفعل شيئاً يدافع به عن معتقداته ومقدساته، وجاءت الفرصة في بدر عندما جاء الله عز وجل بأبي جهل إلى بدر، ليسهل على الغلام الصغير أن يلتقي بأبي جهل.. فقرر أن يقتله بنفسه!!
إنه أقسم قسماً مغلظاً إنه لو رأى أبو جهل فلن يتركه حتى يموت واحد منهما!!
إنه لم يجعل حلمه أن يشارك فقط في بدر، ويقوم بمهمة التمثيل المشرف وكفى!!
ولم يكتف بأن يحلم بقتل أحد المشركين وكفى!!
ولكن جعل حلم مستقبله، وقضية حياته، وهدف عمره أن يقتل هذا الطاغية، وإن كان الثمن أن يموت هو في سبيل الله!!
يا سبحان الله!!
كان من الممكن ببساطة ـ ولن يلومه أحد ـ لو قال في نفسه أقاتل رجلاً بسيطاً عادياً من المشركين، وأترك مهمة قتل هذا الزعيم الكبير لأحد صناديد الجيش الإسلامي، أو أحد الفرسان المشهود لهم بالكفاءة في القتال.. لكن سبحان الله، كانت همته كالقمم الشامخة..
ولم يكن هذا موقفاً عادياً.. بل كان موقفاً عجيباً حقاً.. حتى إن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: فتعجبت لذلك!..
ولكن عجب عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لم يتوقف عند هذا الحد، فمعاذ بن عمرو بن الجموح رضي الله عنهما لم يكن حالة فردية شاذة في الجيش المسلم، إنما كان له قرين مسلم صالح في مثل سنه أو أصغر، ينافسه في نفس القضية..
يقول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:
وغمزني الآخر (معوذ بن عفراء رضي الله عنهما)، فقال لي مثله
ثم قال:
فلما أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه
ورأى البطلان الصغيران الرجل الذي أخبرا أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغلي الدم في عروقهما، وتأكدت عزيمتها على إنفاذ المهمة الجليلة التي طالما راودت أحلامهما وأفكارهما..
وأترك الكلام لمعاذ بن عمرو بن الجموح رضي الله عنهما يصور الموقف الرائع، وذلك كما جاء في رواية ابن إسحاق، وفي طبقات ابن سعد رحمها الله..
_________________