إنَّ حَضرة النَّبى ( ص ) مَوجودٌ فى كل مكانٍ و زمان ، و هذا الوجود
مَبنىٌّ على أُسسِ الوُجودات المُقرَّرة فى عِلم المَنطق...
، و هى أربعة أُسس :
1 ـ الوُجود الذِّهنى :
و النبى ( ص ) مَوجودٌ فى ذِهن كل مُسلم و عَقيدته .
2 ـ الوُجود اللِّسانى :
و هو مَوجود على لِسان كل مُؤذنٍ يُؤذن للصلوات الخَمس ، و على لِسان كل
مُصلٍّ يُصلى على حَضرته داخل الصلاة المَكتوبة و خارجها .
3 ـ الوُجود الكِتابى :
و هو كذلك مَوجود فى كل خُطبة ، و فى كل كتابٍ علمى مَنثور أو مَنظوم ،
و كذلك فى كُتب التَّفسير و الحَديث ، و السِّيرة و الأدعية و الصَّلوات
وغَيرها.
4 ـ الوُجود الجِسمى : ـ و هو نَوعان ـ :
أ ـ وُجود الجسم الطَّبيعى : و هو لا يَتأتَّى إلاَّ
فى مكان واحد ، و لا يَجوز تَعدُّدهِ فى مَكانين فى وَقتٍ واحد .
ب ـ وُجود الجسم المِثالى : بِمَعنى أنَّ الجسم
الشَّريف فى مَكانهِ من الرَّوضة المُطهَّرة ، و تُوجد أجسامٌ مِثالية فى عِدةِ
مَواضع من العالم تُدبِّرهُ رُوحهُ العَظيمة على تَوالى الأزمنة ..
و مِنَ الدليل على وُقوعهِ : قَول المُصلين فى تَشهُّدهِم (( السلامُ
عليكَ أيُّها النَّبى )) ، و هذا خِطابٌ للحاضر المَوجود ، و إنْ لَم يَرَوْهُ ـ
كالحالِ مع المَلائكة ـ و لَو كان غَيرَ حاضر عِندهُم يَقيناً لكان خِطابَهُم لَهُ
عَبثاً لا يَليقُ أن يَحصُل فى الصلاة التى هى أفضل العبادات .. فكيف هذا و
العَبَثْ مَنهىٌّ عنه فيها ؟؟ ..
و قد وَقعَ لكثيرٍ منَ الأولياء كما سَيُعلَم بَعد ؛ فَوُقوعهِ
لِسَيِّدهِم أَوْلَى و أَوْجَب
لاسِيَّما و هُوَ ( ص ) شَهيدٌ على أُمَّتِه .. فلابُدَ أنْ يَطَّلِع
على أحوالِهم بِوُجودهِ بَينهُم ..
و قَوله تَعالى : (( فإنْ لَم تَفعلوا فأذنُوا بِحَربٍ مِنَ الله و
رَسولِه )) .. هذا إنذارٌ لِكُلِّ مُرابٍ إلى يَومِ القيامة ، بأنَّ الله و رَسوله
يُحاربانهم ، و حَربُ الله حَقيقة مُستمرة ، فمن رَسوله كذلك لأنَّهُ مَعطوفٌ على
الله بالواو ، و هى تُفيد الجمع و الإشتراك !!
فهو ( ص ) إذن مَوجود يُحارب المُرابين بِلَعنِهم ، و الدُّعاء عَليهم
..
و عالم المِثال المَدلول عليه بقولِه سُبحانه و تَعالى : (( فَتَمثَّلَ
لَها بَشراً سَويا )) و بأحاديثٍ فى الصَّحيحين ؛ مَجالٌ واسع لِظُهور آثار الأرواح
الطاهرة العَظيمة ..
و لَقَد قال الحافظ " ابن القيم " : ( إنَّ الرُّوح القويـة
كرُوح أبى بكر
الصديق ( رض ) تَستطيع هَزيمة جيش بأكملِه ) ..
فَلَيسَ بكثيرٍ على رُوح نَبيَّنا و سَيدنا مُحمد ( ص ) و هو أعظم رُوحٍ
خَلَقهُ الله تَعالى أن يَملأ العالم فى صورةٍ مِثالية .. و لِهذا رَآهُ كَثيرٌ
مِنَ الأولياء فى أوقاتٍ مُختلفة ، و أماكن مُتعددة ، و سألوهُ عن أشياءٍ أُشْكِلَت
عَليهم ؛ فأجابَهُم بِمَا أزالَ عَنهُم الإشْكَال ..
و المَقصود : أنَّ بَحْثَ هذه الرسالة مِمَّا يُؤيدهُ النَّقل ، و يَقضى
بإمكانِه العَقل .. فلا مَناص مِن قَبُولِه مع ابداء الإعجاب بِمَن يُثبِت ذلك
ويَكشِف عنهُ الحِجاب ، و يُقربهُ إلى ذَوْىِ الألباب ..
و إنَّا إذْ نُقدِّم هذه الرسالة لَنَرجو الله سُبحانه أن يَنفعَ بها
المُؤمنين ، و أنْ يُقرِّبُنا إليهِ زُلْفَى إنَّهُ سَميعُ الدُّعاء .